إتخذ واقع النزوح السوري جدلاً واسعاً في الأوساط اللبنانية السياسية والإقتصادية والأمنية والشعبية. ليس غريباً أن يتخذ واقع بهذه الفوضى والأبعاد، هذا الحجم من التداعيات والنقاشات. لكن ما يجب التنبّه إليه والحرص على تطبيقه هو أن يبقى كل ذلك الجدل وتلك المواقف في الإطار الإيجابي لمصلحة الشعبين اللبناني والسوري وليس لفتح الباب واسعاً أمام من يعملون عند كل قضية على الإستغلال السياسي والشعبوي الرخيص على حساب حقوق الناس ومصالح الشعوب.
لا شك في أن انتشار النازحين السوريين بهذه الكمية الكبيرة، والتي باتت أعلى بأضعاف من المعدلا ت المقبولة دولياً نسبةً لعدد السكان، وبهذه الفوضى التنظيمية والأمنية التي باتت تهدد بتداعيات خطيرة تؤذي اللبنانيين والسوريين معاً، نازحين وعمالاً ومقيمين، وصل إلى نقطة الطفح وبات يستدعي المعالجة بإلحاح ومسؤولية. هذا الإلحاح يعني ألّا وقت لدينا للتلهي بالمزايدات والسمسرات، وهذه المسؤولية تعني أن علينا التصرّف باعتبار مصلحة البلد أولاً لا مصالح الفئات والطوائف والأشخاص.
في سياق هذا الإجراء الضروري والملح لا بد من الإشارة إلى بعض الملاحظات، ومنها: التخفيف من الهيجان العنصري لأنه لا يحل في المشكلة بنداً واحداً بل يزيدها تعقيداً ويزيد صورة مجتمعنا تشوّهاً. فبين السوريين النازحين أو المقيمين في لبنان، شرفاء وملتزمون وشرعيو الإقامة، كما بينهم مستغلون وسارقون وقتلة وسيئو السمعة. ولكن هذا لا يبدّل شيئاً في واقع العبء العددي للنزوح. وهناك من لا يستطيع فعلاً العودة إلى سوريا لأنه سيُسحَق تحت بطش النظام ولنا مع إجرامه من التجارب ما يكفي ويفيض.. ومنهم من امّحت منازلهم بل قراهم ومدنهم، وإعادتُهم في حاجة لتعاون دولي يؤمّن لهم الإقامة في مناطق آمنة داخل سوريا ريثما تكون قد تمّت عملية إعادة الإعمار.
كما لا بد من الإشارة إلى أن الخطأ الأكبر أو العلّة الأساس في الوصول إلى هذا الواقع المخيف للنزوح هو تلكؤ بعض دولتنا وتآمُر بعضها الآخر وسكوت كل من في السلطة عبر السنوات الماضية، ومنها عهد الرئيس عون كاملاً، عن القيام بما يجب للحد من أعداد النازحين وتنظيم إقامة من استقبلهم لبنان، أمنيّاً ومعيشيّاً بما يجنّبه المساوئ الكبيرة للنزوح والتي تجنّبتها دولٌ مجاورة لسوريا مثل الأردن وتركيا.
في المقابل على السوريين المقيمين على الأراضي اللبنانية الإقلاع عن عادة تجاهل أن جيش الإحتلال السوري خرج من لبنان وأنّ لبنان بلد مستقل، ووجوب التصرّف أنهم في دولة، والخضوع لقوانينها واحترام قراراتها أحكوميةً كانت أم بلدية. وبالتالي التصرّف بموجب احترام البلد المضيف والتعاون مع إجراءاته بكل امتثال.. وأما في خلاف ذلك فلا مبرر لأحد منهم للتكلم عن عنصرية من قبل اللبنانيين.
وللجميع نقول: المسألة ما عادت تحتمل لا التأجيل ولا التحليل. فلتبادر جميع السلطات كل بحسب مهامها أو نطاق عملها للبدء جدّياً بترحيل من لا تنطبق عليه صفة النزوح، وتنظيم إقامة قانونية مراقَبة مدفوعة الرسوم والضرائب المتوجبة لمن لا مجال لترحيلهم اليوم، والإفادة مما يمكن أن يقدمه العاملون والمهرة بينهم من دعم للإقتصاد ومحاسبة من يشكّلون العصابات ويقومون بأعمال مخلّة بالأمن والأخلاق... وفي الأثناء، العمل على تقريب موعد العودة الكاملة وبناء علاقات ندّية تعوّض ما تركه نظام دمشق في أذهان اللبنانيين ووجدانهم من شوائب ونوائب!
موقف البلد