كان الجميع على يقين تامّ من أن جلسة 14 حزيران لن تُنتج رئيسًا، لكن هذا لا يعني أنها لم تحمل مفاجآت ولم تحفل بالمعلومات التي تكشف الكثير عمّا دار في فترة التحضير لها، وكم يختلف عمّا ظهر إلى العلن... وربما تكون له تداعياته على ما سيتم في المستقبل من اتصالات ومداولات.
خاضت القوى الرئيسية المعركة بهدف تحقيق الربح أو الحدّ من الخسائر، أو لتسجيل النقاط في مرمى الخصم. وهناك من اللاعبين الصغار من سعى إلى تلمّس الطريق تجنّبًا للوقوع خارجها. فكيف توزّعت مؤشرات الربح وعلامات الخسائر، من الفريق المعارض ومرشحه جهاد أزعور، إلى فريق الثنائي ومرشحه سليمان فرنجية؟
بداية، بين القوتين الكبريين: الثنائي من جهة والتكتّل المعارض من جهة ثانية. لا بد من الإعتراف بأن الثنائي (وبحسب ماهية المعركة) نجح تكتيًّا في أكثر من مكان. فهو فاجأ الجميع برفع أصوات مرشحه فرنجية من الـ46 المقدّرة إلى 51 محقّقة، وقلّص أصوات خصمه من الـ64 المقدّرة إلى 59 محقّقة. فتجنّب بذلك كسر القوى المعارضة حاجز الـ60 صوتًا، ولو بإنقاص ورقة بقيت أحجيّة. وقلّص الفارق بين المرشحَين واضعًا الإثنين في خانة الـ50. وهذا مكسب معنوي ليس بقليل، و"انتصار" بحسب مقاييس هذا الفريق. لكنّه بقي مهزومًا لأنه بعد كل جلسة يَثبُت أكثر أنه عاجز عن إيصال مرشّحه وعن فرض إرادته وعن استمرار وضع يده على البلد بالشكل الذي مارسه بعد عملية 7 أيار 2008.
في المقابل، نجح فريق "التقاطع" على أزعور في خلق جبهة عريضة ولا سيما مسيحية، وفي رفع أصواته مما كانت عليه مع ترشيح معوّض إلى ما تمّ تحقيقه مع أزعور. ونجح في إثبات صلابته وتماسكه على الرغم من كل التكهّنات عن تراجعه بعد عقد الإتفاق السعودي-الإيراني وثبات باريس على دعمها لفرنجية. ونجح أيضًا في جرّ الثنائي إلى عقد جلسة إنتخاب كان يتجنّب عقدها لعدم كشف الأحجام، وصَوَّره للمرّة الـ12 على أنه معطِّل الجلسات بتطيير النصاب، ولا يريد إنهاء الشغور الرئاسي. لكن في المقابل فشل هذا الفريق في تحقيق خطته كاملة. وهنا تتوجّه الأنظار إلى التيار الوطني الحر.
يقول أحد نواب التغيير الذين واكبوا مفاوضات الإتفاق على أزعور، إن انقسام تكتُّل "لبنان القوي" ليس بريئًا. ويشير إلى أن هناك 5 أصوات زادت لحساب فرنجية و5 نقصت من حساب أزعور، و5 نواب قرروا عدم الإلتزام بقرار رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. ومعلوم أن باسيل كان قد التقى اللواء عباس إبرهيم قبل يومين من جلسة 14 حزيران، وجرى الإتفاق على أمر ما لم يُفصَح عنه. ما تنامى إلى مسامعنا، يقول النائب، أن باسيل وعد ابرهيم بتقسيم أصواته فيمنح حصة لـ"حزب الله" ترفع رصيده وتنقذ ماء الوجه، ضامنًا بها خط الرجعة مع الحزب. ويُعلن في المقابل تأييده لأزعور محقِّقًا مكاسب آنية، منها أنه لم يخرج عن الإجماع المسيحي، ويستعيد بعضًا من شعبية متضائلة، والأهم توجيه رسالة إلى الغرب وواشنطن تحديدًا أنه ليس في سلة "حزب الله". وما قول باسيل لابرهيم: "قول للحزب يمرقولي الأربعا وبعدين منحكي"، إلا لإبعاد الشبهة عن أن الإتفاق هو بشأن جلسة الإنتخاب.
ويضيف النائب أن ما يدفع إلى التسليم بصحة هذه المعلومات أن نواب التيار المعترضين انتخبوا فرنجية ولم يلجأوا إلى الورقة البيضاء، أو حتى الإمتناع عن المشاركة في الجلسة ترجمة لرفضهم المعلن. غير أنهم يعلمون أن المكاسب تتحقق هنا كونه لن يخرج عن الجلسة رئيس. إنما هذا السيناريو لن يكون من غير ثمن بعدما ظهر تكتل "لبنان القوي" مقسومًا ومشتت الأصوات.
بناء على جلسة الأحجام، وبعد ثبوت ألّا قدرة لفريق على كسر الستاتيكو القائم، ترى ديبلوماسية غربية أن لبنان بات أمام واحد من احتمالين: فإما ضغط دولي فاعل يُبدِّل في موازين القوى وبالتالي في المشهد المتجمّد، تنتج عنه تركيبة كاملة تتضمن رئيسًا وحكومة وبرانامج إصلاح، وهذا ليس متوفّرًا أو محسوم الحصول في الوقت الحاضر. وإما فراغ يمتد أقلّه حتى نهاية العام يترافق مع ارتفاع حدة التشنّج على خلفيات إقتصادية وإدارية ومعيشية... وأيضًا سياسية، لا ينتهي قبل أن يستولد بحثًا في تعديل كل التركيبة القائمة، حتى لا نقول عملًا على التأسيس لنظام جديد!