موقف البلد

حوار السمّ في العسل سيحوّل لبنان الى كيانات… ولذلك فهو مرفوض!


يُصرّ "حزب الله" على "الحوار" لانتخاب رئيس، ولا يفوّت مسؤولوه مناسبة من غير ترداد هذا الطرح متهمين الآخرين بالتعنّت... فمثلاً إعتبر الشيخ نعيم قاسم أنه "لم يعد من سبيل إلَّا الحوار للتفاهم والتوافق على الرئيس وإلا فليتحمّل الآخرون مسؤولية الفراغ..". وقال في مناسبة أخرى: "نستطيع أن نشترط على رئيس الجمهورية الذي سنختاره معاً أن يلتزم ونكون يداً واحدة في التزام هذا الرئيس".

أولاً، للحوار قواعد وأسس وظروف إذا لم تتأمّن لا يعود المدعو إليه حواراً، ولا ينفع أن نستَظِل التسمية لتمرير ما نريد وإلا نتهم الآخرين برفض الحوار ونحمّلهم مسؤولية ما نحن آخذين البلد إليه. والأخطر أن إصرار "حزب الله" على التفاهم على الرئيس مسبقاً وعلى سلة حكم متكاملة ثم الذهاب إلى انتخابه، هو قمّة ضرب الديمقراطية كمفهوم عام وضرب الدستور كقانون عمل يضبط عمل المؤسسات وينظمه. فهذا تعيين كامل لرئيس لن يكون حاكماً حرّ القرار بقدر ما هو محكوم مقيّد بالتزامات وصوله وتعهداته لداعميه.

ثانياً، يطلب الحزب الحوار حول إسم سليمان فرنجية رافضاً الذهاب إلى إسم ثالث من خارج نادي المرشحين... فكيف يكون هذا الأمر حواراً إذا كان المطلوب من الفريق الآخر المشاركة فقط للتصفيق والتصديق على خيار يرفضه أصلاً؟ أما القول "إن هناك من يتعنَّت ويرفض الحوار والنقاش وليس لديه القدرة على أن يأتيَ بعددٍ وازنٍ يستطيعُ من خلاله أن يطرح مواجهة"، فلا يصح لأن مرشح الفريق الآخر حصل على عدد من الأصوات يفوق ما حصل عليه مرشح "حزب الله".

ويسأل قاسم: "لماذا لا تقبلون بهذا الرئيس وتقبلون برئيسٍ آخر مثلا؟ في الواقع، الخيار لهُ علاقة باسم الشّخص والتوجّهات التي يحملُها وليس لها علاقة لا بالبرنامج الاقتصاديّ ولا بالبرنامج السياسيّ ولا بالبرنامج الاجتماعي"... وهنا لا بد من رد السؤال: وأين العيب في أن يرفض فريق سياسي شخصاً لأعلى منصب في الدولة إستناداً إلى "التوجهات التي يحملها"؟ أليس هذا قمة الصواب والممارسة الصحيحة؟ وألا يحق لأكبر الكتل النيابية في البلد أن تختار شخصية بتوجهات تختلف عن التوجهات التي يحملها مرشحكم؟

يا سادة، إن أهم ما تقولونه أن البلد لا يُحكم إلا بالحوار، وأسوأ ما تفعلونه هو أنكم لا تعملون بما تقولون. فهل أدى الحوار حول الإستراتيجية الدفاعية في القصر الجمهوري أواخر عهد الرئيس ميشال سليمان إلى احترامكم لمقرراته والتزامكم بـ"إعلان بعبدا"؟ وهل أدى اتفاق الجميع على مرشحكم العماد ميشال عون في الـ 2016 إلى عهد ناجح وبلد مستقر ومزدهر؟ وهل ما تطلبونه اليوم غير ما طلبتموه بالأمس؟ وهل إعادة تجربة المجرّب ستوصل إلى غير ما أوصلت إليه التجربة السابقة؟ وماذا عن نتائج سائر الحوارات؟

لا، إذا كان الحوار عسلاً محقوناً بالسّم فهو طبعاً مرفوض. وإذا كان الإستقواء بالسلاح يمنحكم غرور القوة فهو لن يوفر لكم حتماً قوة الحق. وما تفعلونه بقوتكم هو الضغط الهائل على بنيان متصدّع ما يجعله ينهار فيصبح كيانات، فيما المطلوب تحويل هذا الجهد لتدعيم هيكل البنيان علنا ننجح معاً في تجنيبه السقوط. أما بخلاف ذلك، فلن يعود نافعاً من يكون الرئيس إذ لن تكون هناك لا جمهورية ولا كيان!