موقف البلد

كفى تخويناً وتهديداً واتهاماتٍ باطلة... فأصحاب الرأي الآخر ليسوا عملاء



مسألة التخوين ليست جديدة عند أحزاب وناشطي وجمهور ما يعرف بـ"قوى الممانعة". فعند كل استحقاق أو تحوّل أو محطّة، تعلو تهم التخوين لكل من يخالفهم الرأي، وعند كل قرار بتصفية أحد المعارضين يتم التمهيد له بتخوينه لتحليل دمه.
ومع ارتفاع وتيرة الحرب في غزّة، ومن الطبيعي أن نجد حيالها اختلافاً في الآراء والتحليلات وما يريد كل فريق أن تبلغه النتائج، علت أكثر نبرة التخوين وذهبت أبعد في طلب محاكمة "المخوَّنين" أفراداً وحكومات، وشملت شريحة أكبر ممن يتطوّعون لهذه المهمة أو يُكلّفون بتنفيذها مقابل أجر أو ثمن.
فعلاوة على السياسيين والمسؤولين من صلب "حزب الله" ومن الدائرين في فلكه والآكلين من فتاته، توسّعت دائرة الإعلاميين والمتكلّمين الموزِّعين تهم التخوين على كل من يخالفهم الرأي حتى لو كان رأيه سديداً وأسلوبه رصيناً وغايته خلاص البلد وحماية المظلومين. وهذا عدا ما تشتعل به وسائل التواصل الإجتماعي من سباب وتهم وتهجمات ليست في مكانها ولا تنم عن ثقافة حوار وتقبُّل الرأي الآخر بل الآخر في أي حال.
لا يا سادة، ليس كل من يخالفنا الرأي يكون عميلاً، وليس كل من لا يجاريكم في جرّ البلد إلى الحرب، رأفة بما تبقّى فيه من حياة واقتصاد هش وأمل ضئيل، يكون عميلاً ويحلَّل دمُه بل يتم تهديده بالجزاء والإنتقام.
كفى تجارة بالقضايا الوطنية وبالدم. كفى استقواءً واستعلاءً وتهديداً ووعيداً. كفى تعامياً عن واقع بات واضحاً ساطعاً للجميع، وكفى دفناً للرؤوس في الرمال، وهي متحرّكة وباتت فاضحة للجميع. كفى لجوءاً إلى التهديد في وجه الرأي، والإتهام في وجه المنطق، والتجريم في وجه الإختلاف، والقتل في وجه طالبي الحياة!
من يخالفونكم الرأي ليسوا عملاء، وما يفضحه اكتشاف شبكات المتعاملين مع العدو والتوقيفات الكثيرة، خير دليل على ذلك. من ينشدون للبلد مستقبلاً غير ما تأخذونه إليه ليسوا عملاء ولا يستحقون القتل، بل فسحة للحوار علّ من يُضل الطريق يهتدي. من سئموا الموت واشتاقوا إلى حياة كباقي الناس، ليسوا عملاء. ومن قاسوا وخربت بيوتهم ويئسوا من واقع شاذ، ليسوا عملاء. ومن يقرأون في التاريخ وفي السياسة غير ما تعلّمتم، ليسوا طبعاً عملاء...
كفى هيجاناً وتكفيراً وتجريماً واتهامات بالعمالة وبغيرها. كفى لعباً بمصير البلد والناس وقطعاً للحياة في بداياتها ونحباً على ما جنت أيديكم أصلاً بحصوله. كفى... لأن البلد لم يعد يحتمل رهانات، وللناس حقٌّ في أن يعيشوا ويختاروا ما يرونه مناسباً أو ما يتمنّونه لحياة، ما قرر قطعها غير الله، إن كنتم حقاً تؤمنون!