عربي ودولي

نعم يوجد أنفاق.. إليكم حقيقة ادعاء إسرائيل "هي بنته قبل 40 عاما"



بعدما تعرض جيش الاحتلال الإسرائيلي لفضيحة بسبب اقتحامه مستشفى الشفاء دون قدرته على إثبات مزاعمه بأنه مقر قيادة حماس العسكري، يحاول الاحتلال تقليل أضرار هذه الكارثة الإعلامية عبر الزعم بالعثور على نفق أسفل مستشفى "الشفاء" شمال قطاع غزة، في هذا التقرير نكشف لك قصة نفق مستشفى الشفاء والأقبية التي بناها الجيش الإسرائيلي خلال احتلاله لغزة تحت المستشفى.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيان إنه تحرك للكشف عن النفق الذي يبلغ عمقه 10 أمتار وطولخ 55 متراً بناء على معلومات وفرها جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" وجهاز المخابرات "أمان". وأدعى البيان أن "النفق، الذي يؤدي إليه درج عميق إلى المدخل، يحتوي على دفاعات مختلفة بما في ذلك باب علوي وفتحة إطلاق النار.. هذا النوع من الأبواب تستخدمه حماس لمنع قواتنا من الدخول إلى مقر المنظمة وأصولها الموجودة تحت الأرض".


وزعم إنه عثر عند فتحة النفق على سيارة بها العديد من الأسلحة، مشيراً إلى أنه يواصل عملياته للكشف عن مسار النفق.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، زعمت إسرائيل أنها عثرت على مدخل نفق تابع لحركة حماس بالقرب من مستشفى الشيخ حمد الممول من قطر. وكان في الواقع خزان مياه للمستشفى.

فيديوهات مثيرة للسخرية
وبعد اقتحامه مستشفى الشفاء يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني بيوم، زعم الجيش الإسرائيلي أنه اكتشف أسلحة وكمبيوترات لحماس، وتبين من الصور التي عرضها الجيش الإسرائيلي والتي تظهر الحمولة الكاملة المزعومة، أنها مكونة من زي عسكري، 11 بندقية، 3 سترات عسكرية، واحدة عليها شعار حماس، 9 قنابل يدوية، نسختان من القرآن الكريم، سلسلة من المسبحات، وعلبة تمر.


وقد يكون الجيش الإسرائيلي قد دس هذه الأسلحة، وحتى لو فرض أنه عثر عليها، فإن هذا لا يبرر اقتحام المستشفى.

وقال بريان فينوكين، أحد كبار المستشارين في مجموعة الأزمات الدولية والمستشار القانوني السابق في وزارة الخارجية الأمريكية لصحيفة The Washington Post الأمريكية: "لا يبدو أن هذه الأسلحة في حد ذاتها تبرر التركيز العسكري على الشفاء، حتى لو وضعنا القانون جانباً".


وعرض الجيش الإسرائيلي جهاز لاب توب ثم علق قائلاً: "خلال عمليات تفتيش داخل أحد أقسام المستشفى، عثرت القوات على غرفة تحتوي على وسائل تكنولوجية فريدة ومعدات قتالية ومعدات عسكرية تستخدمها منظمة حماس الإرهابية"، حسب تعبيره.


وفي أحد الفيديوهات التي نشرتها إسرائيل بعد اقتحامها لمجمع الشفاء الطبي يستشهد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري: بربطة شعر على الأرض كدليل على أن حماس احتجزت رهائن في قبو المستشفى. وكُتب على الحائط "طوفان الأقصى".

ويظهر في الصورة جدول دوام مدون عليه أيام الأسبوع وأسماء عاملين في المستشفى، فيما يبدو واضحاً أنه جدول عمل أسبوعي، زعم هاغاري أن هذه الكتابة هي لأسماء مقاتلي حماس المكلفين بحراسة الأسرى الإسرائيليين باللغة العربية، رغم أنها في الواقع مجرد أيام الأسبوع، ولكن المتحدث يحاول خداع غير المتحدثين باللغة العربية بطريقة مثيرة للسخرية.

ولم تؤكد هذه الأدلة المزعومة مزاعم إسرائيل القديمة بأن حماس لديها مخبأ قيادة متطور تحت المستشفى.

وقد قوبلت بالتشكك والسخرية على نطاق واسع، واعتبرت "دليلاً هزلياً قدمته إسرائيل كما فعلت بعد أن داهمت مستشفى الرنتيسي للأطفال قبل أيام.

وعلى مدار الـ48 ساعة التي احتلت فيها القوات الإسرائيلية أجزاء من مجمع الشفاء، لم يتم إطلاق النار عليهم.


ونفت جماعات المقاومة الفلسطينية بشدة استخدام المستشفيات في أنشطة عسكرية ودعت بانتظام هيئات دولية محايدة لزيارة المستشفيات والتحقيق في مزاعم إسرائيل، كما دعت حركة حماس لتشكيل لجنة دولية في ادعاءات الاحتلال باستخدامها الشفاء كمقر قيادة؛ حتى لا يقوم الاحتلال بتزييف الأدلة بعد اقتحامه المستشفى.

بينما قال مسؤول عسكري كبير في جيش الاحتلال إن الجنود الإسرائيليين تبادلوا إطلاق النار لفترة وجيزة مع مسلحين خارج المستشفى قبل دخولهم، ولكن بعد أكثر من 12 ساعة من بدايتها، بدت العملية أشبه بمداهمة للشرطة أكثر من كونها معركة ضارية. الأربعاء، حسب وصف موقع Electronic Intifada.

البريطانيون أسسوا مستشفى الشفاء وإسرائيل وسعته خلال احتلالها لغزة

ويُعتبر "الشفاء" أكبر مجمع طبي في القطاع، يضم ثلاثة مستشفيات متخصصة، ولعب دوراً كبيراً في خدمة السكان قبل الحرب، وخلالها. كما يحتضن نحو 25% من مجمل العاملين في مستشفيات القطاع كلها.

يذكر أن هذا المجمع الذي كان يقدم الخدمات الطبية لأكثر من 650 ألف فلسطيني يقطنون مدينة غزة، كان يعاني الأمرين حتى قبل الحرب، بسبب الحصار الإسرائيلي المطبق على القطاع منذ سنوات خلت.

وتم إنشاؤه في عهد الانتداب البريطاني العام 1946، ثم بنت مصر مرافق للمستشفى خلال سيطرتها على غزة. وعند احتلال القطاع، أجرت إسرائيل عملية توسعة كبيرة للمستشفى عام 1980.

وأقر خبير الأمن الإسرائيلي روني شاكيد لتلفزيون "مكان" العبري أنه شهد خلال توليه منصباً أمنياً، عملية التوسعة للمستشفى قبل 43 عاماً، مشيراً إلى أن شركة هندسية إسرائيلية تولت مهمة تصميم المستشفى بإشراف جيش الاحتلال. ووفق شاكيد، ثمة شبه كبير بين "الشفاء" ومستشفى إسرائيلي في مدينة الخضيرة داخل الخط الأخضر؛ لأن مُصمّم مخطط البناء هو مهندس واحد.

جيش الاحتلال هو من حفر أنفاق وأقبية مستشفى الشفاء

لكنّ الشيء الأهم في حديث روني شاكيد هو أنه يظهر أن "الملاجئ" الموجودة تحت مستشفى الشفاء كانت قد صممتها شركة هندسية إسرائيلية، واستخدمتها القيادة العسكرية الإسرائيلية في ذلك الحين، أي قبل تولي السلطة الفلسطينية زمام الأمور في غزة بموجب اتفاق أوسلو العام 1994. ويشكل هذا الحديث دليلاً على أن إسرائيل هي من صممت الأنفاق تحت المستشفى واستخدمتها لأغراض عسكرية، وليست حركة "حماس"، أو أي جهة فلسطينية أخرى، حسبما ورد في تقرير لموقع المدن.

والحقيقة التي تحاول إسرائيل إخفاءها هي أن جيشها منذ احتلاله لغزة سنة 1967 استخدم مرافقه مقراً لعمل الحاكم العسكري.


ففي سنة 1980، بنى جيش الاحتلال الطابق الأرضي ليكون مثل خندق وملجأ للقيادة، وظل يستخدمه حتى آخر يوم لاحتلاله سنة 1994، وفقاً لما نقل موقع قناة "العربية" عن صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية.

كما كتبت الناشطة هويدا عراف، على موقع X، تويتر سابقاً، في منشور نشر يوم الأربعاء 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أن إسرائيل قامت ببناء المخبأ تحت المستشفى في عام 1983، عندما كانت تسيطر على غزة.

وأشارت إلى قصة نشرتها مجلة Tablet الموالية لإسرائيل عام 2014، والتي أشارت إلى تقارير وسائل الإعلام المتعددة حول الصراع في ذلك الوقت بين إسرائيل وحماس. وذكرت المجلة أن المخبأ بُني عام 1983، وبررت المجلة إصرار الإسرائيليين على وجود النفق بأنهم هم الذين بنوه".

وقالت هويدا عراف: "بعد اقتحام المستشفى لا يوجد أحد لتوثيق الحقيقة سوى الجيش الإسرائيلي نفسه صاحب الادعاء الذي سيظهر لك ما يريد أن يصدقه العالم".

ويحتوي المخبأ، الذي يقال إنه تم تشييده منذ عقود، على غرفة عمليات آمنة تحت الأرض وشبكة أنفاق.

وذكرت تقارير صحيفة هآرتس الإسرائيلية اليسارية ووسائل إعلام أخرى على وجه التحديد مبنى المستشفى رقم 2، الذي تقول إنه تم بناؤه من قبل إسرائيل كإضافة في منتصف الثمانينيات ويحتوي على قبو إسمنتي كبير مخصص في البداية لغسيل الملابس والمهام الإدارية، حسبما ورد في تقرير لموقع مجلة Newsweek الأمريكية.

تم تأكيد أعمال التنقيب في الأرضية الخرسانية تحت الأرض من خلال موقع Ynetnews الإسرائيلي الذي يصدر باللغة الإنجليزية على الإنترنت.

وأكدت مصادر متعددة أنه تم بناء مخبأ أو قبو وفقاً لتقدير إسرائيل في الثمانينيات، حسب المجلة الأمريكية.

تقول المجلة: "لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت حماس تدير المساحة الموجودة أسفل المستشفى كمقر عسكري رئيسي".

هل حماس غبية لتستخدم نفق مستشفى الشفاء كمركز قيادة رغم أن الاحتلال بناه بنفسه؟

ويعلق علي أبو نعمة، المحرر والصحفي بموقع Electronic Intifada، قائلاً أنه أمر غير معقول أن تستخدم حماس المستشفى كمركز قيادة في ظل التهديدات والادعاءات الإسرائيلية للمستشفى التي تعود لسنوات طويلة، خاصة أن هذه الأنفاق والغرف بنتها واستخدمتها إسرائيل بنفسها خلال احتلالها لغزة.


وقال علي أبو نعمة، مؤخراً خلال ندوة عبر الإنترنت: "تريد إسرائيل منكم أن تصدقوا الافتراضات التالية. أولاً، أن حماس غبية بما يكفي لاستخدام المخبأ الذي بنته إسرائيل بنفسها، وبالتالي من المفترض أنها تعرف كل شيء عنه".

وأضاف: "من المفترض أن تصدق أن نفس حماس التي تمكنت من مفاجأة إسرائيل بالكامل في 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2023 بهجوم عسكري متطور دمر القيادة الجنوبية لإسرائيل، هي نفسها غبية بما يكفي لإخفاء أصولها الأكثر قيمة في المكان الذي تقول إسرائيل إن هذه الأصول موجودة فيه بالضبط".

والأهم أنه من الناحية الفنية، بما أن إسرائيل هي بنت هذه الأنفاق والأقبية سوف تعرف خرائطها بل تعرف كمية المتفجرات اللازمة لتدميرها، مما يجعل استخدامها حماقة مفترضة من الحركة التي أوقعت أكبر خديعة بإسرائيل في تاريخها.

المفارقة أن إسرائيل ادعت أنها دمرت هذه الأنفاق قبل عامين

وأحد فيديوهات الرسوم المتحركة التي نشرتها إسرائيل الشهر الماضي تصور الأنفاق المفترضة تحت مستشفى الشفاء كمخبأ شبيه بمخبأ الشرير في فيلم جيمس بوند.

ولكن قصة نفق مستشفى الشفاء والادعاءات بشأنها تعود إلى عام 2009 على الأقل.

في ذلك العام، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن "رئيس المخابرات الإسرائيلية، يوفال ديسكين، قال في تقرير لمجلس الوزراء الإسرائيلي، إن قيادة حماس المتمركزة في غزة كانت في مساكن تحت الأرض أسفل المبنى رقم 2 في مستشفى الشفاء، الأكبر في غزة. وذكرت الصحيفة أنه لا يمكن تأكيد هذا الادعاء".

وفي عام 2009 أيضاً، ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن "كبار مسؤولي حماس في غزة يختبئون في مخبأ "شيدته إسرائيل، كما يشتبه مسؤولو المخابرات".

وأضافت صحيفة أن الاحتلال يعتقد أن العديد من قادة حماس موجودون في أقبية مجمع مستشفيات الشفاء في مدينة غزة، والذي تم تجديده خلال الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة".

في عام 2021 ادعت إسرائيل أنها دمرت البنية التحتية تحت الأرض بالمنطقة، فخلال هجومها على غزة في مايو/أيار 2021، قصفت إسرائيل بشدة المنطقة المحيطة بالشفاء، مرتكبة ما أصبح يعرف باسم مجزرة شارع الوحدة.

وذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية في ذلك الوقت أن "الغارات الجوية حولت أحد أكثر الشوارع ازدحاماً في غزة، ونقطة الوصول الرئيسية إلى مستشفى الشفاء الرئيسي في القطاع، إلى مشهد يشبه سطح القمر المليء بالحفر".

عندما سئل الجيش الإسرائيلي عن الموت والدمار الذي سببته هجماته للمباني السكنية وسكانها المدنيين بالقرب من الشفاء، ادعى أنه كان يهاجم "البنية التحتية العسكرية تحت الأرض" بالمنطقة.

وأضاف جيش الاحتلال أن "المنشآت العسكرية تحت الأرض انهارت؛ مما أدى إلى انهيار أساسات منازل المدنيين فوقها، فضلاً عن وقوع إصابات غير مقصودة".

ولم تقدم إسرائيل قط أي دليل يدعم هذه الادعاءات.

هل يمكن للحركة التي خدعت إسرائيل أن تستخدم مكاناً معروفاً للإسرائيليين كل هذه السنوات؟

وفي الحرب الحالية بعد أن نصبت إسرائيل مستشفى الشفاء خصماً لها، والهدف الأساسي لها لأكثر من شهر من الحرب، تتوقع إسرائيل أن يعتقد العالم أن حماس ستحتفظ بمركز قيادتها الرئيسي في الموقع الذي قالت الصحف الإسرائيلية والأمريكية وجيش الاحتلال إن قيادة حماس موجودة فيه منذ سنوات، والذي أكدت إسرائيل في عام 2021 أنها دمرته بشكل كبير.


ويعلق محرر موقع Electronic Intifada في تقرير نشر قبيل ادعاء تل أبيب اكتشاف النفق أنه "مع ذلك، نظراً لميل إسرائيل إلى الكذب، فقد "تكتشف" دولة الاحتلال منشأة تحت الأرض بنتها بنفسها، وستحاول تقديمها للعالم كدليل على صحة اتهاماتها".

وهذا ما تحقق بالفعل.