

كتبت بولا عاصي
حضر موضوع الذكاء الإصطناعي ودوره في عالم المستقبل كأحد أبرز حلقات القمة العالمية للحكومات التي عُقدت بين 12 و14 شباط الحالي في دبي تحت عنوان: "الذكاء الاصطناعي والآفاق المستقبلية الجديدة". وورد على منصة القمة: "ستظهر لعالمنا خلال العقود المقبلة، قوى تحوّلية تحدث تغييرات تكنولوجية جذرية، أهمها الذكاء الاصطناعي التوليدي، ولا بد من إلقاء نظرة شاملة على أهمية تنظيم هذه التكنولوجيا، وتصميمها أخلاقياً، إضافة إلى التعرّف على الاتجاهات الناشئة التي تُعدّ واحدة من الضروريات للحكومات والمنظمات الدولية، التي تستكشف التكنولوجيا المستقبلية بأبعادها."
وكان العالم شهد في العقود الماضية تقدّمًا ملحوظًا في التكنولوجيا ساعد الدّول على التّطور اجتماعيًّا. فباتت عبارة "الذكاء الاصطناعيّ" من أكثر العبارات تداولًا بين الناس، في المدارس والجامعات، وفي أماكن العمل... وحقّق هذا التطور التكنولوجي تأثيراً كبيراً على المجتمعات كافةً، وهيمن على نمط الحياة الاجتماعية والمهنيّة عند الكبار والصغار، فأضحى وسيلة راحة للإنسان، يوفّر عليه الوقت والتّعب. ويُعتبر الذّكاء الاصطناعيّ في بعض الحالات المنقذ الأوّل للناس، ويدخل في مجالات عدّة ليوفّر الكثير من المعطيات التي يبحث عنها البشر. فما هي أولاً فوائد الذكاء الاصطناعيّ؟
مُتاح على مدار السّاعة
تؤكّد العديد من الدّراسات أنّ الإنسان قادر على العمل بإنتاجية لمدّة أربع ساعة كحدّ أقصى في اليوم الواحد، بينما يتغلّب الذكاء الاصطناعيّ على العقل البشريّ بالتوافر عند الحاجة وفي أيّ وقت. يمكن لهذا الذكاء العمل من دون انقطاع ففي الواقع، هو لا يحتاج إلى الراحة، على عكس الإنسان. على سبيل المثال، أصبح من السّهل على الفرد أن يحصل على تطبيقات توفّر له جميع المعلومات التي يبحث عنها، من جميع أنحاء العالم. لا يفوت الذكاء الاصطناعيّ شيء، وبالتالي يمكنه حقًا مساعدة الأشخاص في حياتهم الاجتماعية والمهنية اليومية.
موفّر للوقت
يُستخدّم الذكاء الاصطناعيّ على نطاق واسع إذ يلجأ الناس إليه لاستهلاك أقلّ قدر ممكن من الوقت. بالتالي، يمكن الحصول على الكمّيّة المنشودة من المعلومات وبوقت أقلّ. كما أنّه يمكن لهذا الذكاء أن يساعد في الصناعات كثيفة البيانات على غرار الأعمال المصرفية والأوراق المالية والأدوية والتّأمين الّتي تتطلّب وقتًا إضافيًا.
متعدّد المجالات
تكمن أهمّية الذكاء الاصطناعيّ في قدرته على تزويد الأشخاص بكلّ ما يطلبون. في الحقيقة، هو يعطي معلومات في كلّ المجالات الطّبّيّة والاقتصادية والسّياسيّة والاجتماعية وغيرها، وهذا بالتّأكيد يوفّر جهدًا كبيرًا على الأشخاص في البحث عن المعطيات في كلّ أنحاء الإنترنت، ممّا يوفّر لهم الوقت في نهاية المطاف. بالإضافة إلى ذلك، يضمن الذكاء الاصطناعيّ حصولَ الأشخاص على كلّ ما يحتاجون فيؤمّن لهم الراحة والطمأنينة بأنّه لن ينقصهم شيء.
وما هي سلبياته؟
في المقابل، يُنسَب إلى الذكاء الاصطناعي بعض السلبيات التي تؤثر على المجتمع وحياة الإنسان الاجتماعيّة والمهنيّة.
البطالة المتوقّعة والتوظيف
قدّر المنتدى الاقتصاديّ العالميّ أنّ 83 مليون وظيفة في العالم ستُفقَد خلال السنوات الخمس المقبلة. في الواقع، تُستخدَم الرّوبوتات بشكل متكرّر لتحلّ مكان الموارد البشريّة في أعمال التّصنيع. علاوةً على ذلك. إذًا، مع حلول الآلات والذكاء الاصطناعي محلّ العمّال البشر في المهامّ الرّوتينيّة والمتكرّرة، فإنّ خطر البطالة يتزايد بسرعة.
وذكرت دراسة لـ BBC أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر على 40 في المئة من الوظائف ويؤدي كذلك إلى تفاقم عدم المساواة في اختيار الموظفين عنددما توكل مهمة اختيارهم إلى الذكاء الإصطناعي. وأظهر استطلاع أجرته شركة IBM في أواخر عام 2023 شمل أكثر من 8500 متخصص عالمي في مجال تكنولوجيا المعلومات أن 42 في المئة من الشركات تستخدم فحص الذكاء الاصطناعي لتحسين التوظيف وخدمات الموارد البشرية.
الافتقار إلى الإبداع
ممّا لا شكّ فيه أنّ الذكاء الاصطناعيّ يوفّر المعلومات المطلوبة بكمّيّة كبيرة وبسرعة فائقة، ولكن هل يمكنه فعلًا الحفاظ على الإبتكار الذي يقدّمه العقل البشريّ؟ في الحقيقة، يمتلك البشر قدرة فريدة على الإبداع والتّفكير النّقديّ الّذي يولّد أفكارًا جديدة قد تؤثّر على العالم. أمّا الذكاء الاصطناعيّ فهو تقنيّة تمّ تطويرها لأداء المهامّ الّتي تتطلّب عادةً ذكاءً بشريًّا خاليًا من الذكاء العاطفي الوجداني، مثل حلّ المشكلات وفهم اللّغة.
الحدّ من إنتاجيّة الفرد
قد يشكّل الذكاء الاصطناعيّ عونًا للبشر في حياتهم اليوميّة إذ يسهّل الكثير من الأمور ولكن، مع الاتّكال على هذا التّطوّر التّكنولوجيّ، يغدو الإنسان كسولًا، يفتقد إلى الإنتاجيّة في مهامّه. في الواقع، يحدّ الذكاء الاصطناعيّ من معارف البشر وخبراتهم، فتتدهور قدرتهم على التّفكير خارج الصّندوق وتوليد الأفكار بناءً على الحدس والتّجارب الشّخصيّة.
في هذا السّياق، يمكن القول إنّ الذكاء الاصطناعيّ بات عنصرًا أساسيًّا ترتكز عليه كلّ شرائح المجتمع في مهامّ متعدّدة وهو يستمرّ في التّطوّر ليطال مجالات جديدة. ولكن، على الرّغم من أنّ التّقدّم التكنولوجيّ يؤدّي إلى تحسين هذا الذكاء، إلّا أنّ هذا الأخير سيظلّ وظيفة من وظائف النّشاط البشريّ.
ماذا عن القانون؟
علاوة على كل ما سبق، فهذه التكنولوجيا الجديدة باتت واقعاً وستترسخ أكثر في المستقبل. لذلك فقد بدأت الحكومات تضع الضوابت القانونية للحد من السلبيات. ومؤخراً صدقت لجنتان رئيسيتان في البرلمان الأوروبي على اتفاق مؤقت بشأن قواعد الذكاء الاصطناعي التاريخية قبل تصويت الجمعية التشريعية في نيسان المقبل، والذي سيمهد الطريق لأول تشريع في العالم بشأن هذه التكنولوجيا.
وكانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وافقت في 2 شباط الجاري على تشريع غير مسبوق على المستوى العالمي لتنظيم الذكاء الاصطناعي بعد مفاوضات مكثفة بشأن التوازن بين حرية الابتكار والحفاظ على الأمن.


