

تحدّث كثيرون عن لقاء المعارضة في معراب. قيّموه حتى قبل أن ينتهي. صوّبوا عليه حتى قبل أن ينعقد. وبعد انتهائه توالت المواقف والتحليلات، سواء منها ما رأى فيه ضرورة وعلّق عليه الآمال، أو ما وصفه بأنه لزوم ما لا يلزم، وغير مناسب في التوقيت والمضمون. وأعطوه أهدافًا لم يحملْها أصلاً ليخرجوا باستنتاج أن الأهداف المزعومة لم تتحقّق. ولم يكن أي متابع في حاجة إلى الكثير من الجهد لتبيان خلفيات المواقف من هذا اللقاء سواء من مطلقيها أو من ناشريها والمروّجين لها. وللتذكير فإن الحملة على حزب القوات اللبنانية بدأت من فترة واشتدت مع اغتيال باسكال سليمان وازدادت تصويبًا عندما تمّت الدعوة إلى لقاء للمعارضة في معراب.
في مكان ما ربما كان من الأسهل تفكيك الردود والمواقف ومضامينها ومنطلقاتها ومَن وراءَها، لتقييم اللقاء، من المبادرة إلى تحليله هو بالذات. لماذا شارك من شارك؟ ولماذا قاطع من قاطع؟ ولماذا أيَّد أو هاجم من أيَّد ومن هاجم؟ قد تكون اعترت اللقاء ثغرات، وليس أي عمل بهذا الحجم الوطني الواسع والظرف المحلي والدولي الحسّاس، معصومًا من الثغرات. كما أن أي موقف من حدث سياسي كهذا ليس خاليًا من الخلفيات والمصالح الفئوية والخاصة. وبالتالي فإن من لم يشاركوا في لقاء الـ 1701، شاركوا من حيث لا يدرون في خدمة أهداف من لا يريد تطبيقه، وفي بقائه متربعًا سعيدًا على صدر البلد والناس.
في السياق، ثمّة مَن وضعَ المقاطعين في سلّة واحدة هي "رفض زعامة جعجع أية جبهة معارضة". لكن في الواقع، يمكن تقسيم المقاطعين إلى فئات ثلاث: مَن قاطع لأسباب شخصية وإنتخابية. ومن قاطع إرضاء لقوى مسيطرة مثل "حزب الله" (بغض النظر ما إذا كان الحزب ضغط أم لم يضغط) معتبراً أن مشاركته قد تُسبِّب له المتاعب، كون موضوع اللقاء هو الدفع لتطبيق القرار 1701 الذي يمتنع الحزب عن تطبيقه. ومن قاطع كي لا يعطي حزب القوات هالة يخشى أن تُحوّله إلى "غول" قد يبتلع سائر المعارضين، والعديد منهم يُفضِّل الإحتفاظ ببعض التمايز حتى لو كانت المشاركة لا تتناقض مع نظرته للأمور بل تخدم مشروعه على المدى الأبعد.
وللتصويب على الحقائق لا بدّ من بعض التساؤلات: هل لو كانت الدعوة من غير القوات، ومكان انعقاد اللقاء في غير معراب، كانت مشهدية المقاطعة ظلت نفسها؟ وهل لو كان محور المناقشة بندًا آخر، ولو وطنيًّا، لكن غير العمل لتطبيق القرار الدولي 1701، كانت لائحة المقاطعين بقيت ذاتها؟ وهل كان "حزب الله" ووسائل إعلامه وأدواته قاموا بما قاموا به من هجوم؟ وهل كان اللقاء لينال هذا القدر من الصخب والحرب لو انه عابر وعلى الهامش ومن غير تأثير، علمًا بأن محرّك الهجومات هو في ذروة انشغاله من طريق القدس إلى ساحات غزة؟ في الحقيقة يكفي كل هذا للقول إن اللقاء جاء فاعلاً وطبعاً أفضل من كتْف الأيدي أو رجم القافلة.
وبناء عليه يمكن الخروج باستنتاجات ثلاثة هي: أنه ما دامت القضايا الوطنية ليست أولوية عند الكثيرين بل تتقدّمها الحسابات الصغيرة، فإن أفق الوصول إلى بناء الدولة وحماية المجتمع ما زال بعيداً جدًّا وغير مرئي. وما دام التحضير للخطوات الكبيرة يتعثّر عند مفارق الأمزجة، ومغارق الشخصانية، فلن نتمكّن من خرق الجدار الذي يزداد سماكة وارتفاعًا كلما ازددنا وهنًا وتشرذمًا. وما دام الإختلاف في الرأي بات يُفسد في الود أكثر من قضية، حتى لو كانت بحجم مصير، فإن المصير لن يغادر كفّ العفريت حتى لو صفا بعض النوايا أو عجز بعض الأيدي!


