متفرقات

الأول من آب عيد كل الوطن



الأول من آب ليس عيد الجيش وحسب، بقدر ما هو يوم وطني شامل، يُجسِّد إلتفاف اللبنانيين، كل اللبنانيين، حول جيشهم الوطني، متجاوزين الخلافات السياسية والحزبية، وتاركين خلفهم الحساسيات الطائفية والفروقات المناطقية،وواضعين كل الرهانات الإنقاذية، على المؤسسة العسكرية المؤمنة بالتضحية والشرف والولاء للوطن. 

الجيش اللبناني، هو من الجيوش القليلة في المنطقة العربية، الذي لم يتدخل في السياسات الخرقاء، التي أفسدت العسكر، وأسَرَت الحياة السياسية، وإعتقلت الحريات، وفرضت الأنظمة الفردية الإستبدادية، تحت شتى المسميات الوطنية الزائفة. 

ولعل من حسن حظ لبنان أن القائد المؤسس للجيش اللبناني، كان مؤمناً بضرورة إبعاد الجيش عن السياسة، وممارسات السياسيين المستغلين للسلطة والنفوذ، فحرص على إبقاء المؤسسة العسكرية بعيدة عن الأنواء السياسية والأزمات الرسمية، ورفض إستخدام الجيش مطية لغايات شخصية، حتى ولو كان الأمر يتعلق برئيس الجمهورية مباشرة، حيث رفض اللواء فؤاد شهاب عام ١٩٥٨تلبية طلب الرئيس كميل شمعون التدخل لقمع «الثوار» المعارضين لتجديد ولاية رئيس الجمهورية، وحرص على إبقاء الجيش رمزاً لوحدة الوطن، وعدم الخوض في الخلافات بين السياسيين.

وأظهرت الأحداث لاحقاً، وفي بدايات حرب ١٩٧٥، مدى حكمة القائد المؤسس، حيث أدى إدخال الجيش في معمعة الإنقسامات الداخلية، إلى فرط عقد المؤسسة الوطنية، وحلت الطائفية والمناطقية مكان الولاء المطلق للوطن. 

ولكن الجيش كان في طليعة مؤسسات الدولة التي إستعادت وحدتها، وإسترجعت هيبتها، وعملت على تطوير دورها، مع عودة الأمن والسلام بعد إقرار إتفاق الطائف، حيث ما زال عسكر لبنان هم سياج الوطن والوحدة الوطنية، رغم كل الأزمات التي عصفت، وما زالت تحيق، بوطن الأرز.

ففي خضم الإنهيارات التي ضربت البلد منذ أكثر من خمس سنوات، وأدت إلى تصدُّع إدارات الدولة ومؤسساتها، بقي الجيش  الدرع الأساس، والجسر الوحيد الذي يتطلع إليه اللبنانيون للخروج من مهاوي الأزمات الراهنة، إعتماداً على وطنية قيادته، ونقاوة الجسم العسكري من سرطان الفساد المستشري في المنظومة السياسية، والثقة الداخلية والخارجية الكبيرة التي يحظى بها القائد الحالي للجيش، والتي تُمكٍّنه من الحصول على دعم معنوي ومادي، من دول شقيقة وصديقة، تأكيداً على التقدير الذي تحظى به قيادته للمؤسسة الوطنية الكبرى في زمن الحروب المشتعلة، والعواصف  المتلاطمة  في المنطقة، فيما أهل السياسة غارقون في خلافاتهم التقليدية، ويتنافسون على المصالح الأنانية والشخصية. 

تحية إكبار وتقدير لعسكر لبنان، قيادةً وضباطاً وأفراداً، على صمودهم البطولي في أحلك الظروف المعيشية والإجتماعية التي تحيط بالوطن، والتي تركت بصماتها السوداء على السواد الأعظم من اللبنانيين، وفي مقدمتهم أفراد الجيش والإسلاك الأمنية. 

الأول من آب يوم الجيش، يبقى عيد كل الوطن.

صلاح سلام