بعد أيام على العتمة الكاملة في لبنان، وبدل أن يبادر المسؤولون إلى تلافي الأمر، وهو ليس بطارئ أو نتيجة حادث غير محسوب، راح كلٌّ يعمل على تبرئة نفسه وتبرير سلوكه، من مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك إلى وزير الطاقة وليد فيّاض وصولاً إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
ففي خطوة ربما تكون أسوأ من إهمال مصالح الناس ومرافق البلد نظراً لفولكلوريتها، بادر الرئيس ميقاتي إلى الطلب من رئيس هيئة التفتيش المركزي إجراء تحقيق فوري في موضوع الانقطاع الكلّي للتيار الكهربائي. وما لبث أن باشر القضاء التحقيقات في أزمة انقطاع الكهرباء عن الأراضي اللبنانية والمرافق الأساسية منذ إعلان مؤسسة كهرباء لبنان، نفاد مخزونها من الوقود.
وأعد النائب العام قائمة بأسماء الأشخاص الذين سيستدعيهم إلى جلسات استجواب، تشمل الحايك وأعضاء مجلس إدارة كهرباء لبنان وموظفين، مع احتمال مثول الوزير فياض أمام القاضي بصفته شريكاً في المسؤولية عن هذه الأزمة.
اللافت في الأمر توقُّع المعنيين أن تُسفر النتائج عن تحديد المسؤول عن إغراق البلد في الظلام الشامل. وتنصل كل من فياض والحايك من المسؤولية، وكذلك مبادرة ميقاتي إلى اتهام سواه وكأنه غير معني بما حصل، أو كأنه قام من الأساس بما عليه القيام به.
حضرات المسؤولين العاجزين في هذه الدولة البالية، في العالم حيث تحترم الحكومات شعبها تتفانى في خدمته وإن حصل تقصير يعترف المسؤول بمسؤوليته ويعالج الخطأ مع الإعتذار أو يستقيل إن أخفق في المعالجة.
ماذا يعني التوجّه إلى قضاء يلفلف الملفات ويستنسب الأحكام، والأكثر قضاء عجز عن استكمال التحقيق في جريمة العصر جريمة تفجير الرابع من آب طاعة لأوامر مسؤول حزبي هو نفسه اليوم في دائرة الإتهام والتحقيق؟
ماذا يفيد المواطن أن تُطرح القضية أمام القضاء وأن يُجري تحقيقات، من دون محاسبة أحد، في بلد ما عرف في تاريخه محاسبة مسؤول (ومعظمهم يستحقون السجون)، إلا إذا كان الملف سياسيًّا والهدف شطب المستهدَف من المعادلة أو تغييبه عن المشهد؟
لماذا الإستمرار في التذاكي والإستخفاف بعقول الناس وإيهامهم بأن حكومتهم تتحمّل مسؤولياتها عند التقصير، فيما كان يمكن تدارك المسألة وتلافي الوصول إلى العتمة الشاملة لو كانت الحكومة تتحمّل مسؤولياتها فعلاً؟
دولة الرئيس ميقاتي، إن حكومة تخلّت عن قرارها السيادي بالحرب والسلم وتتفرّج مكتوفة الأيدي على انهيار البلد ودماره وقتل أهله وتدمير علاقاته الدولية واقتصاده وقيمه، وقضاء رضخ وأوقف التحقيق في أخطر ما يهدد البلد وحق الناس من قضايا، هما جهتان عاجزتان حتمًا عن حل أي قضية، لأن المسألة مسألة مبدأ وقيم لا مسألة قدرة.
دولة الرئيس، أتركوا الملف في الظلمة فما عاد اللبنانيون يستسيغون التمثيل، وربما بات أقصى ما يتمنوه في ظل هكذا سلطة، هو أن يبقوا في العتمة فلا يروا ولا يشهدوا على ما تقومون به من ممارسات!


