محليات

تنفيذ 1701… يسقط ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”



كيف يتمّ تنفيذ وقف إطلاق النار في لبنان؟ وأيّ صيغة لوقف النار؟ ومن يكون الضامن لتنفيذه؟ هل هو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ظلّ الهجوم الذي تتعرّض له من إسرائيل، وخصوصاً اعتبار تل أبيب الأمين العامّ أنطونيو غوتيريش شخصاً غير مرغوب به؟ وهل تُلزم أميركا إسرائيل بوقف النار، أم تتكرّر سيناريوهات قرارات وقف النار في غزة التي تؤيّدها واشنطن وترفضها تل أبيب؟ وهل يعني وقف النار العودة بالوضع في جنوب لبنان إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر 2023 أم كما تريده إسرائيل، أي انسحاب مقاتلي الحزب إلى جنوب الليطاني ونزع سلاحه؟ وهل بتطبيق القرار الدولي 1701؟ وإذا كان كذلك فما صيغة تطبيقه؟

أسئلة كثيرة تداولها بعض الرموز المسؤولة في لبنان وراء الكواليس لسبر أغوار التحرّكات الدبلوماسية، حسب قول مصدر رسمي رفيع لـ”أساس”. فمن الطبيعي أن يتهيّأ لبنان لمناقشة الطروحات الدولية والإسرائيلية المفترضة في شأن وقف الحرب الذي يلحّ عليه ومعه أكثر من دولة غربية وعربية. هذا على الرغم من التقديرات لصعوبة العودة إلى تنفيذ النداء الأميركي الفرنسي الذي صدر في 25 أيلول الماضي في نيويورك.

واشنطن مع وقف النّار بعد إضعاف الحزب

طالب النداء بوقف النار 21 يوماً للتفاوض على الحلول على أمل موافقة إسرائيل عليه بعدما وافق لبنان. إلا أنّ بنيامين نتنياهو لم يستجب للطلب الأميركي في هذا الصدد على الرغم من أنّه كان أبدى استعداداً لذلك. حجّته، حسب المطّلعين على كواليس الأمم المتحدة، أنّه تضمّن الإشارة إلى تطبيق القرار 2735 المتعلّق بوقف النار في غزة. ومع أنّ نصّ النداء لم يربط هذا بذاك، فإنّ الجانب الإسرائيلي برّر عدم تبنّيه النداء بأنّه يجمع بين وقف النار في لبنان وبين وقف الحرب في غزة.

لا يتوقّف الأمر فقط على الحجج العلنية الإسرائيلية. إذ سبق محاولات تفعيل هذا النداء إعلان ماثيو ميلر الناطق باسم الخارجية الأميركية، في 9 تشرين الأوّل، أنّه “لا نيّة لإحياء جهود وقف النار”، ورأى أنّ “دعوة الحزب لوقف إطلاق النار تُظهر أنّه في موقف دفاعي”.

بات معروفاً أنّ واشنطن تراهن على إضعاف الحزب جرّاء استمرار الضربات قبل استدراجه إلى التفاوض. وهي تجسّ النبض حول استعداداته للتنازل داخلياً، تحديداً في ملفّ رئاسة الجمهورية، عبر طرح أولوية إنهاء الفراغ الرئاسي على وقف النار. وهذا يزيد الغموض حول الصيغة المقبولة أميركياً لتنفيذ القرار الدولي. دفع ذلك مصدر رسمي منغمس في التمهيدات لتطبيق القرار الدولي إلى القول لـ”أساس” إنّ الرئيس المقبل يفترض أن يأتي على صورة القرار 1701.

لكن أيّ صيغة يمكن تطبيقها للـ1701؟

تهشيل إسرائيل لـ”اليونيفيل”

مؤشّرات تهشيل إسرائيل لـ”اليونيفيل” أبعادها خطيرة، وقد ظهرت قبل جلسة مجلس الأمن الخميس لبحث وقف النار بساعات قليلة. وهي تدلّ على الموقف السلبي من دور الأمم المتحدة. ومنها الآتي:

– إعلان مصدر في قوات “اليونيفيل” عن قصف مدفعي أصاب برجاً للمراقبة يتبع للقوات قرب مقرّ قيادة القوات في الناقورة جنوب لبنان. أدّى ذلك أوّل من أمس إلى تدمير كاميرات البرج، وإلى جرح اثنين من الجنود. ثمّ أصابت دبّابة ميركافا دشمة يحتمي فيها الجنود الدوليون. وحلّقت مسيّرة فوق مقرّ القيادة. واعتبرت “اليونيفيل” أنّ هذه الاعتداءات “مقصودة”. إذ لم تكن المرّة الأولى التي تتعرّض فيها القوات الدولية لنيران القوات الإسرائيلية. تكرّر الاعتداء الإسرائيلي على القوات الدولية أمس فجرح جنوداً من الوحدة السريلانكية بشظايا قنبلة دبّابة أطلقت على برج للمراقبة. بات الأمر نهجاً لا مجرّد “حوادث”.

– طالب مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة بابتعاد “اليونيفيل” عن الحدود بعمق 5 كيلومترات لكنّ قيادتها رفضت. وهو ما يعني أنّ الجيش الإسرائيلي يرمي إلى إزالة أيّ عوائق أمامه للتوغّل في الأراضي اللبنانية تلك المسافة. وإذا صدقت معطيات بعض الجهات اللبنانية بأنّه سيتوغّل حتى نهر الليطاني، فسيطلب من رجال القبّعات الزرق الانسحاب أكثر لاحقاً. وقد يدفع الاعتداء على القوات بعض الدول المشاركة فيها إلى سحب وحداتها حفاظاً على سلامة مواطنيها.

– سبق أن طلبت إسرائيل من “اليونيفيل” سحب سفن تابعة لها من شاطئ صور إلى ما بعد الناقورة.

– كذلك أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي الخميس عن قرار بمصادرة أراضٍ في القدس المحتلّة أقامت الأونروا عليها مقرّاً. جاء ذلك في اليوم نفسه لاجتماع مجلس الأمن. وهدف مصادرة الأراضي بناء وحدات استيطانية فيها. وهذا يعني تهجير وكالة غوث اللاجئين من الضفة الغربية، بعدما كان الجيش الإسرائيلي قتل 162 من موظّفيها في غزة.

إزاحة الأمم المتّحدة من الطّريق

الرسالة من خلف التعرّض للقوات الدولية في الجنوب متعدّدة الأهداف، أبرزها:

– أوّلاً: أن تبتعد من طريق الجيش الإسرائيلي بحيث لا توثّق جهة محايدة ما يرتكبه جنود إسرائيل من فظاعات في المناطق التي يحتلّها. وهذا يشير إلى أنّ احتلالها جنوباً قد يطول.

– ثانياً: ترجمة الرفض الإسرائيلي العميق والقديم لدور فعليّ للمنظمة الدولية في إيجاد حلول للصراع العربي الإسرائيلي. فحيثما وجد هذا الدور عملت على إفشاله وتهشيمه. ولبنان هو الميدان الذي يشهد أكبر وجود لقوات حفظ السلام الأممية في المنطقة. ويقول دبلوماسيون أمميون إنّ الدولة العبرية لا تريد أن يكون مثالاً لدور مستقبلي لقوات شبيهة في غزة أو الضفة الغربية. فلطالما طالبت منظمة التحرير الفلسطينية بقوات دولية لحماية الفلسطينيين في غزة. وهو ما طالبت به القمّة العربية التي انعقدت في البحرين في أيار الماضي. وإسرائيل ترفض ذلك بشدّة. سبق لمندوبها في الأمم المتحدة جلعاد إردان أن مزّق ميثاق الأمم المتحدة من على منبرها، وطالب بإغلاق مبنى المنظمة الدولية في نيويورك.

الخشية الدّوليّة من “الابتعاد” عن 1701

– ثالثاً: مع اتّهام مندوب إسرائيل في نيويورك الحزب بخرق القرار 1701، داعياً إلى تطبيقه، فإنّ بلاده تتقصّد الغموض حول التزامها تنفيذ بنوده. وتقارير غوتيريش الفصليّة منذ 2006 تتضمّن على الدوام تعداد الخروق التي ترتكبها إسرائيل جوّاً وبرّاً. وفي آخر خطبه تجنّب بنيامين نتنياهو الإشارة إلى تطبيق القرار 1701. فقد اكتفى بتحذير اللبنانيين من حرب شبيهة بحرب غزة، داعياً إيّاهم إلى التخلّص من الحزب. فهو يراهن على أن تتسبّب حملته العسكرية بتصاعد التناقضات بين الحزب وبين القوى المعارضة لنفوذه في الداخل اللبناني.

زادت الشكوك حول ما إذا كان يجري التحضير لنسف القرار 1701 بعد بيان مشترك صدر عن المنسّقة الخاصة لأنشطة الأمم المتحدة جانين بلاسخارت وقائد اليونيفيل الجنرال أرولدو لاثارو في لبنان، بتاريخ 8 تشرين الأول. فهما نبّها من أنّ “كلّ صاروخ أو قذيفة أو غارة برّية… تبعد الأطراف أكثر عن الغاية المتوخّاة من القرار 1701″. وممّا تقوله مصادر دبلوماسة فرنسية لـ”أساس” عن طرح إسرائيل شروطاً لقبول البحث بوقف النار، أنّ الدولة العبرية تطرح صيغتها للقرار الدولي، فهي تشترط انسحاب الحزب إلى شمال الليطاني، وتطبيق القرار 1559 بنزع سلاح الميليشيات.

برّي يصرّ عليه والحزب وإيران يتجاهلانه

أمّا الحزب فلم يأتِ على ذكر القرار 1701 على لسان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم في إطلالتَيْه عقب اغتيال الأمين العامّ للحزب، على الرغم من أنّ الأخير وافق قبل قصف مقرّه، مع الرئيس نبيه بري، على السعي لوقف النار مع فصله عن غزة، وفق ما يراه مناسباً. فبرّي لا يتوقّف عن تكرار التزامه القرار الدولي. كما أنّ إيران لم تتناول تنفيذ القرار على لسان وزير خارجيتها عباس عراقجي خلال زيارته بيروت. بل اكتفى بالتراجع عن ربط وقف النار في لبنان مع وقفه في غزة، في مقابلته مع “الجزيرة” عقب تلمّسه إصرار لبناني على الفصل بينهما. لكنّه والشيخ قاسم أجّلا أيّ بحث بالرئاسة وضمناً تنفيذ القرار الدولي إلى ما بعد وقف النار، تحت عنوان “التفاصيل تأتي لاحقاً”، على لسان قاسم، لعلّ ذلك يحدّ من تأثير الضربات الإسرائيلية على التفاوض.

يسلّم بعض المسؤولين الساعين إلى وقف النار بصعوبة ذلك في القريب العاجل. ومع ذلك يواصلون المراهنة على التقاط فرصة تتيح التوصّل إليه.

صيغ تنفيذ القرار: أيّ حلّ للسّلاح؟

في العصف الفكري داخل الدوائر اللبنانية الرسمية، للإجابة عن الأسئلة المذكورة أعلاه حول صيغة تطبيق القرار الدولي يمكن تسجيل الآتي:

  • وقف النار الذي نصّ عليه القرار 1701 لم يتحقّق منه سوى “وقف الأعمال العدائية”، وهو أمر سقط في 8 تشرين الأول 2023، وتصعب العودة بالأمور إلى ما قبل هذا التاريخ، فإسرائيل لن تقبل.
  • الصيغة الفضلى للبنان هي وقف النار مع مخرج بقاء السلاح غير ظاهر جنوب نهر الليطاني، وتعزيز وجود الجيش بزيادة عديده وعتاده، وتمتين رقابته على مسألة وجود السلاح بالتنسيق مع اليونيفيل. وهذا يناسب الحزب مرحلياً. الموفد الأميركي آموس هوكستين والمبادرة الفرنسية كانا عرضا وقفاً للنار مع انسحاب قوات الحزب بعمق 8 كيلومترات، وتعزيز وجود الجيش. لكنّ قيادة الحزب رفضت العرض حينئذٍ، على الرغم من أنّه لم يتناول نزع سلاحه.
  • لبنان الرسمي لم يتبلّغ بعد رسمياً من الأميركيين أو الفرنسيين شروط إسرائيل لتطبيق القرار 1701 التي تشمل انسحاب قوات الحزب إلى شمال الليطاني وتطبيق القرار 1559، وفق ما يتردّد. لكن باتت هناك قناعة بصعوبة عودة الحزب إلى ما كان عليه وجوده في الجنوب. تشمل هذه القناعة أيضاً أنّ أيّ آليّة تنفيذية للقرار الدولي من المؤكّد أنّها ستعطي دوراً كبيراً للجيش اللبناني. وهذا ما أعاد طرح اسم قائد الجيش العماد جوزف عون للرئاسة بقوّة على الرغم من اعتراضات فرقاء لبنانيين عليه.

لبنان الرسمي لم يتبلّغ بعد رسمياً من الأميركيين أو الفرنسيين شروط إسرائيل لتطبيق القرار 1701 التي تشمل انسحاب قوات الحزب إلى شمال الليطاني وتطبيق القرار 1559

آليّة التّنفيذ تغيّر المعادلة الدّاخليّة؟

  • تطبيق القرار الدولي لن يتمّ وفق ما يريده الحزب، ولا كما تريده إسرائيل بالكامل، والتي عليها التزام وقف الخروقات. أمّا سائر المطالب الدولية فإنّ القرار 1701 ينصّ عليها بوضوح. فهو يستند إلى القرار 1559 الذي يتناول حلّ الميليشيات ونزع أسلحتها. وفي هذه الحال يمكن إخراج السلاح الإيراني الثقيل من البلد وإخفاء أنواع السلاح الآخر. كما يستند إلى مرجعية القرار 1680 الصادر عام 2006. والأخير يتناول المساعدة على بسط سلطة الشرعية في الجنوب وسائر الأراضي اللبنانية وضبط الحدود وترسيمها مع سوريا (أي وقف تهريب السلاح). كما ينصّ 1701 في الفقرة التنفيذية الخامسة منه على اعتماد حدوده وفق اتفاقية الهدنة الموقّعة عام 1949. والأخيرة تنصّ أيضاً على التماثل في الإجراءات الأمنيّة على جانبَي الحدود في لبنان وإسرائيل.
  • لن تتغيّر المعادلة فقط على الحدود، بل ستشمل الداخل. إذ ستسقط معادلة الجيش والشعب والمقاومة، ليعود قرار الحرب والسلم إلى الدولة اللبنانية، على ضعفها.

وليد شقير | أساس ميديا