

كتاب مفتوح إلى المرجعيات الروحية الملتقية اليوم في بكركي، ولا سيما سيد الصرح البطريرك مار بشارة بطرس الراعي:
أيها الآباء والمشايخ الأجلاء
تعقدون عند الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم الأربعاء 16 تشرين الأول 2024 قمة روحية استثنائية في الصرح البطريركي في بكركي برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بدعوة منه وبمشاركتكم كرؤساء للطوائف المسيحية والإسلامية.
أولاً، يخشى اللبنانيون أن تأتي هذه القمة الروحية لتكرّس صورة كلاسيكية معهودة في المشهد اللبناني، إذ عند الأزمات الوطنية الكبرى يلتقي رؤساء الطوائف الاسلامية والمسيحية، ليخرجوا ببيان منمّق بتعابير الوطنية والوحدة والشركة والمحبة، متخطيًا وضع الإصبع على الجرح، وهو سبب العلل المتكررة والصدْع المتوسّع، الذي يشكل سبب اجتماعاتكم المنتهية دومًا بصورة تذكارية جامعة تخفي وراءها كل التناقضات والإختلافات... وأهم من ذلك: الحقيقة!
أيها السادة مرجعيّاتنا
نشارككم هم اللقاء ونتطلّع معكم إلى خواتيم مفيدة رأفة بلبنان، وأنتم عارفون وقادرون.
نواكبكم فرادى في دُور عباداتكم وعظاتكم وخُطَبِكم وما تحمل من مواقف، وننظر إليكم مجتمعين في الصرح المؤسس للبنان الكبير، ولدى شعبكم / شعوبكم انتظارات ما وجدت لها يومًا سبيلاً للتحقّق وبلوغ النهايات المرتجاة.
إن كنتم جادّون حقًا في الإنقاذ، وقد خلعتم عنكم ثوب الكليشيهات التقليدية المُملّة تلك، فإن المطلوب منكم كثير وإن كان يختصره أمر واحد هو قول الحق.
الوطن هو أرض وشعب ومؤسسات، والوطن الذي تتغنون به وتجتمعون اليوم من أجله، مؤسساته متحلّلة دمّرها الفساد والتكاذب، وشعبه بعضه مقامر والأخر متناحر ومن تبقّى يسافر بحثًا عن وطنٍ يؤمّن له الحياة ولو عجز عن تأمين الحلم، وأرضه مهدّدة بالتفكك والضياع.
هل ستسألون بعضكم البعض لماذا أنتم مجتمعون اليوم؟ هل ستُدخِلون معكم إلى قاعة الإجتماع أصوات ناسكم وتتناقشون في كيفية ابتكار الإجابات؟ هل ستتذكر كل مرجعية منكم ماذا قالت سابقًا حتى لا يتناقض معه ما ستقوله اليوم؟... أسئلتنا كثيرة حتمًا لأن معاناتنا كبيرة نحن أبناءكم المُقاسين كل دم وهم، لكن المطلوب منكم جواب واحد عسى أن يشمله بيان الختام لأهل العوام!
صارحوا بعضكم البعض بأن مغامرات الطوائف ما أتت عليها إلا بالخراب، وألّا بديل عن الدولة الجامعة، وعن الحياد الإيجابي الضامن لإبعاد لبنان عن جبهات النزاعات وأتون الهلاك.
صارحوا وتصارحوا بأن التكاذب الوطني ما بنى يومًا دولة ولا حمى شعبًا ولا أنتج أمّة. ليس عيبنا في أننا مختلفون بل في أننا متكاذبون وفاشلون ولا نعرف كيف نحوّل الإختلاف إلى قوّة اتحاد.
قممكم منذ مئة عام لم تمنع الإحتلالات ولا الاختلالات، ولا الحرب البينية ولا الخارجية، ولا البغض والشعور بالتمايز والفروقات، على رغم الكلام المعسول في اللقاءات... فلا تكرّروا إنتاج الخيبات وقد سئمناها ونالت منا أكثر مما نالت الحقائق وإن رافقتها الجراح الآيلة إلى الإندمال، أما خيباتنا فلم يعد لتبعاتها احتمال.
تعاونوا لاستعادة الإبن الضال ولا تجعلنّكم المحاباة تدفعونه إلى مزيد من الضلال. تعاونوا لإنتاج الزبدة من حقيقة الإختلافات، لا هدر الحليب والدم في سواقي الخلافات... بعضكم حرّض على الشركاء في الوطن وأخطأ في حقه ووضع مصيره على المحك، فلنعترف. بعضكم قال في العلن شيئًا وفي السرّ شيئًا آخر فلعترف. وبعضكم سكت مرارًا عن الحق فكان شيطانًا أخرس وهو الموكل إليه أن يكون ملاكًا ناطقًا بالحق باحثًا عن الحقيقة منقذًا لشعبه لا مضلّلاً له.
تناقشوا تجاملوا تمازحوا إن شئتم، لكن انتبهوا عند كتابة بيانكم الختامي أن لبنان الذي عرفناه وعرفتموه صار خيمة مشلّعة غير صالحة لإيواء شعبه المشرّد، وصيغةً هشّة غير قادرة على بناء وطن، وطريقًا متعرّجًا غير نافذ إلى مستقبلٍ جديد حميد. واكتبوا في البيان أنّ علينا أن نعترف بأننا أخطأنا في حق ذواتنا وفي حق الوطن، وعلينا أن نصحّح الخطأ اليوم لأن ما نحن فيه لا يحتمل التأجيل ولا التضليل. ولتضعوا معًا حجر الأساس لبناء لبنان الغد، ولتكن صورتكم التذكارية الجامعة الصادقة صورة طموحات أبناء طوائفكم، وصورة نضالات أسلافكم، وصورة أحلام الأجيال الآتية الطامحة إلى العيش نسورًا في أرضها لا طيورًا مهاجرة في فضاءات العالم!
إلى هذا الحد مسؤوليتكم كبيرة فلا تسقطوا دونها، ولا تزيدوا خيباتنا واحدة، ولا مآسينا مرارة الفشل.


