سئلت في مقابلة تلفزيونية عن ماهية الحرب المدمرة التي يشهدها لبنان منذ 8 تشرين اول 2023 والتي بدأت بإعلان امين عام حزب لله الراحل قراره الشخصي والمنفرد الالتحاق بالحرب التي تشنها اسرائيل ضد حماس وقطاع غزة، فأجبت بانها حرب اسرائيلية - ايرانية على ارض لبنان، وبأنه ليس للبنانيين فيها كشعب وكدولة أية ناقة فيها ولا جمل.
لا يمكن انكار او اخفاء حقيقة النفوذ والسيطرة الذي تمارسه ايران من لبنان عبر النفوذ والقدرات العسكرية الذي يملكه حزب لله، وخصوصاً بعد خروج القوات السورية من لبنان في نيسان عام 2005، حيث تحرر قرار الحزب في موضوعي الحرب والسلام من كل الضوابط العسكرية التي كانت تفرضها الوصاية السورية، وبات بالفعل معلوماً من كل المجتمعين العربي والدولي منذ انتهاء حرب تموز 2006 بأن حزب لله قد حلّ مكان القوات السورية في موقع الوصاية سياسياً وامنياً على لبنان، وبأنه بات يحتل موقعاً متقدماً على الدولة اللبنانية، بعدما امتلكت دويلته من القدرات العسكرية ما يفوق باضعاف القوات الشرعية الوطنية، وبأنه يوظف قراراته وسلاحه لخدمة المصالح الايرانية وعلى حساب المصالح الحيوية اللبنانية والعربية.
كان لبنان محمياً منذ انشاء دولة اسرائيل باتفاقية الهدنة للعام 1949، والتي رسّمت الحدود بين الدولتين، وعلى اساس النقاط التي حددها اتفاق بين لجنة فرنسية وبريطانية، ترأسها عن الجانب الفرنسي المقدم بوليه وعلى الجانب البريطاني المقدم نيوكومب، استكمل ترسيم الحدود هذه قبل سنتين من خلال وساطة اميركية قادها أموس هوكشتين، وقضت بترسيم الحدود البحرية استناداً للخط 23 كحد فاصل بين المنطقتين الاقتصاديتين لكل من لبنان واسرائيل، ولم يبق هناك من اختلاف حدودي سوى المشكلة التي ابتدعها النظام السوري في مزارع شبعا والتي استعملت كمبرر لاحتفاظ حزب لله بسلاحه وتلبسه دور المقاومة الساعية لتحرير هذه المزارع، وذلك من اجل خدمة المصالح الايرانية والسورية في لبنان، من خلال استعمالها لسلاحها في الداخل وفي المزارع لانتزاع قرار السيادة من يد الدولة اللبنانية.
لم يتمكن لبنان الرسمي من حل قضية مزارع شبعا بالطرق الدبلوماسية وذلك بسبب رفض النظام السوري التعاون مع لبنان لترسيم الحدود بما فيها مزارع شبعا، لكن نسارع الى القول بأن الحرب المدمرة الراهنة ليست نتيجة خلاف حدودي بين الدول الثلاث، بل ان سببها الرئيسي يعود لفقدان لبنان سيادته على اراضيه وعلى قراره الوطني في السلم والحرب، بعد ان صادره حزب لله ووظفه لصالح ايران. لقد تسبب انتزاع هذا القرار من قبل حزب لله بدفع لبنان لمواجهة النتائج المدمرة لحربين مع اسرائيل: الاولى حرب تموز 2006، والثانية منذ 8 تشرين اول 2023 بحجة قرار منفرد اعلنه السيد حسن نصر لله تحت عنوان مؤازرة غزة.
من المؤكد بأن اي من الحربين بين حزب لله واسرائيل لا تتعلق بالدفاع عن حدود لبنان او مصالحه، بل ترتبط بشكل واضح بقرار ايراني ولخدمة المصالح الايرانية واستراتيجية طهران المهيمنة على المنطقة.
لقد تدرّج حزب لله في ممارسة لعبة النفوذ والقوة في داخل لبنان من خلال خروجه على قرارات السلطات الشرعية وكان من ابرز تلك المحطات احتلاله لبيروت والقسم من الجبل واجبار السلطات الرسمية الخضوع لمشيئته، والذهاب الى مؤتمر الدوحة، حيث حصل استعمال مقررات المؤتمر المهيمنة على الحكومة وعلى القرار الوطني. وذلك من خلال تكريس شعار «الثلاثية الذهبية» الجيش والشعب والمقاومة، وانتهت هزيمة الدولة اللبنانية وهيمنة الحزب على كل وجوه السلطة من خلال قدراته على تعطيل تشكيل الحكومات او من خلال تعطيل الانتخابات الرئاسية.
يدرك الجميع بأن قرار حزب لله ببدء هذه الحرب، والموصى به من ايران بهدف خدمة استراتجيتها في مواجهة اسرائيل ومعارضة النفوذ الاميركي، وبالتالي الرد على سياسة العقوبات التي تنتهجها واشنطن ضد ايران.
يواجه لبنان اليوم حرباً مدمرة، وستكون نتائجها كارثية على الشعب اللبناني، خصوصاً اذا ما نجحت اسرائيل في اعادة احتلال الجنوب اللبناني، واذا ما رفضت الانسحاب اذا ما امر المجتمع الدولي وقفاً لاطلاق النار، وسيضعنا هذا الاحتمال امام ازمة مستفحلة لا يمكن حلها الا باعتماد الخيار العسكري، الامر الذي سيفتح الباب لحرب طويلة قد تستمر لعقدين او ثلاثة بين لبنان واسرائيل.
يبدو لي بأن اسرائيل تريد تهجير جميع الجنوبيين وتدمير قراهم ومنع عودتهم الى جنوب خط الاولي - جزين - القرعون - راشيا الوادي الى ان يجري فعلياً حل ونزع سلاح حزب لله، وهو الامر الذي ستعارضه ايران مع كل حلفائها في الداخل اللبناني وفي الدول العربية الخاضعة لنفوذها.
اعتاد لبنان ان يستفيد من الظروف التي تفرضها الحروب والازمات الاقليمية والتدخلات الدولية من اجل حل ازماته الكبرى من خلال استغلال البرهة المؤاتية لاعادة تكوين سلطته الشرعية واستعادة قراره السيادي، وهذا يدعونا للدعوة لتجميع القوى السيادية لكل قدراتها للاستفادة من هذه الحرب ونتائجها لاستعادة القرار من ايدي حزب لله الخاضع بصورة كلية للنفوذ الايراني. لم يعد من الجائر او الممكن التلهي بالمصالح السياسية الداخلية، واستمرار لعبة المصالح الضيقة، وبالتالي اضاعة هذه الفرصة من خلال اعطاء ايران وحزب لله الفرصة للادعاء بالانتصار على اسرائيل، على غرار ما حدث عام 2006، تمهيداً لاستبعاد المبادرة من قبل حزب لله، لاستعادة دوره ونفوذه وتوظيفها من جديد لصالح ايران لثلاثين سنة قادمة.
من المنتظر من القوى السياسية اللبنانية، ان تتوحد حول قضية واحدة تركز من خلالها على استعادة السيادة الكاملة، والذهاب الى المجتمع الدولي والدول الخليجية لمساعدة لبنان على النهوض والمحافظة على حقوقه من الاطماع الاسرائيلية، والمساعدة في اعادة اعمار لبنان وبناء قواته المسلحة وتسليحها بالاسلحة المناسبة لتأمين جميع حدود لبنان جنوباً وشرقاً وشمالاً بعدما استباحها كل من اسرائيل وحزب لله وسوريا.
نحن ندعو جميع القوى السيادية الى الوحّد، وتفادي لعبة اضاعة الوقت وعدم استغلال البرهة الدولية المواتية لحل ازمة الحكم في البلاد، ان الانشغال بالتفاصيل وبالمكاسب الخاصة التي اتقنها الافرقاء خلال السنوات الماضية والتي ادت الى اضعاف وانهيار الدولة لصالح حزب لله وايران، سيؤدي حتماً اى احياء مشروع حزب لله من خلال انشغال القوى السيادية بالتفاصيل، وتفويت الفرصة لاتخاذ خطوات سريعة ليتم انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة فاعلة تعمل لخلاص لبنان من محنته.
لا يمكن القبول بتعطيل العملية السياسية تحت اي ذريعة لان ذلك سيؤدي الى اعطاء فرصة جديدة لحزب لله، وفتح الباب للاستمرار في المواجهات العسكرية بين ايران واسرائيل على الارض اللبنانية.
ان وحدة الصف لقوى المعارضة ستساعد على اعادة بناء المؤسسات الشرعية فتتوحد الدولة تحت حماية جيشها، هذه هي رغبة اللبنانيين كما هي مطلب المجتمعين الدولي والخليجي وهذا هو الطريق لاستعادة السيادة كاملة.