جميلٌ هو المشهدُ الجامِع الّذي جَرى في رُبوع الصّرح البطريركي من حيثِ الشّكل، إلّا أنّه ومن حيث المَضمون لا يَعدو كونه مشهدًا "فولكلوريًا"، لا يُسمن ولا يُغني من أجل تغيير الأحوال الى أفضلِ حال.. طبعًا مع فائق الاحترام الى الرموز الدينيّة المشاركة، وما يمثّلون على المستوى "الطوائفي" في بلدِ موزاييك التعدّديّة المذهبيّة والطائفيّة.
فماذا يعني أن يلتقي رؤساء الطوائف ويتفقوا على تطبيق الدستور.. في حين أنّ نواب الأمّة بمعظمهم وزعماء الطوائف لا يقيمون للدستور اللّبناني أيّة قيمة؟!
ماذا يعني أن يؤكّد المجتمعون على التمسّك في "اتفاق الطائف" الّذي كرّس وشرعنَ دورهم ووجودهم وتأثيرهم داخل السلطة، في حين أنّه اتفاق يعارضُ "دستورًا كَهلًا" تمأسَس على المحاصصة الطائفيّة من ناحية، ويدعو إلى إلغائها من ناحية أخرى، فلو كان للعجائبِ وطن.. لكان لُبنان دونَ سِواه!!
فعجيبةُ العجائِب أنّ دستورَ لُبنان لم يكُن كافيًا لضمانِ استقرار الجمهوريّة اللّبنانيّة، فولَدت صِيغة ٤٣ "المعنويّة" (الخوري-الصلح)تحت عنوان محاصصة الرئاسات الثلاث من أجلِ ضمان الإستقرار الداخلي وتمثيل الطوائف الرئيسية.. وبالرغم من ذلك سقطت تلك الصيغة "اللّا-دستورية" فكانت النتيجة فِتنةً داخليّة وثورة ١٩٥٨.
عجيبةُ العجائِب أنّ عصرَ الإزدهار في لبنان كان في عهدٍ عسكريٍّ بإمتياز، فرزحَ البلدُ تحتَ سطوةِ "المكتب الثاني" وفرقة ال ١٦.. وما أن انتهى ذاك العهد حتى قامت الفتنة الداخليّة من جديد وقامت الحَرب الأهليّة لخمسة عشر سنة متتاليّة.
عجيبةُ العجائِب أن يلتقي زعماء الطوائف من جديد على طاولة حوار "إقليميّة" من أجل إيقاف الحرب الأهليّة، فكان اتفاق الطائف "الهجين" الّذي عارض الدستور بأكثر من بندٍ وفَقَرة، ووزّع مقاعِد السّلطة على الأطراف المتقاتلة أصلًا الّذين خلعوا البدلات العسكريّة ولبسوا البدلات البيضاء، فسادَ "الأمانُ المُستطنع" بقوّة الوصاية السوريّة الّتي "ابتلعت" السيادة اللّبنانية تمامًا، وكانت النتيجة استشهاد الرئيس معوّض، واستشهاد الرئيس الحريري ومظاهرة ٨ آذار "الوفائية"، تلاها انتفاضة ١٤ آذار "الرومانسيّة" واستشهاد رموزها، فوقعت الفتنة من جديد وكانت ٧ أيار بمثابة "ميني" حرب أهليّة.
ومنذ ذاك الوقت، لُبنان لم يعرِف الإستقرار والأمان أبدًا، لأن لا الدستور ولا الطائف كانا أهلًا لبناءِ دولةٍ وطنيّة تُحاكي تعدّديّة "الهُويّات الطوائفيّة" الموجودة في البلد، وبناءًا على ما ذكر كتبنا: إمّا الفدراليّة... أو الفتنة الداخليّة!!
فإن لم يتنبّه المسؤولون وأهل السّلطة لِما يحدُث في المناطق اللّبنانيّة كافة بسبب النّزوح وتضارب الخصوصيّات واختلاف الثقافات المجتمعيّة؛ ولم يَرو المناوشات الأهليّة الحاصلة بعينٍ واقعيّة، كما لم يَعو أنّ الوطن يقبعُ فوقَ صفيحٍ ساخِن، فلا غروَ أنّ الفِتنة الداخليّة ستكون نتيجةٍ محقّقة، والقادِم أصعبُ مِن حربٍ أهليّة، ولَن يكون أقلُّ من تقسيمِ المُقسّم وتجزيء المُجزّأ.. فلا مؤتمراتٍ دوليّة، ولا مفاوضاتٍ إقليميّة، ولا إجتماعاتٍ داخليّة طائفيّة أو سياسيّة ستوقف وحش المجهول القادم.
والحلّ: إعلان حالة الطوارئ واستلام الجيش اللّبناني البلد. تسليم السلّاح الغير شرعي بكافة هُويّاته. تأمين الضغط الدّولي على العدو من أجل إيقاف الحرب. تطبيق القرارات الدوليّة. إعلان الحياد الدولي. الدعوة الى مؤتمر تأسيسي عنوانه قيام دولة لُبنان الفدرالية.. وإلّا: فالحرب الأهليّة!! والعبرةُ لمَن يعتبر.
ألحان فرحات