لو كان ثمّة عنوان آخر للمؤتمر الوطني المنعقد في معراب بتاريخ 12 تشرين الأول الجاري والذي تمّت الدعوة إليه تحت شعار "دفاعًا عن لبنان"، لكانت "سياسة الحقيقة" هي هذا العنوان البديل بلا منازع.
نعم وحدها الحقيقة تدافع عن لبنان، وتحمي اللبنانيين بوجه شتى الأخطار الداهمة... ووحدها الحقيقة على قدر ما قد تبدو صعبة للبعض أو مرفوضة من البعض الآخر تأتي الحاجة لها في كلّ مشروع سياسي أو طرح أو مبادرة في هذا الزمن العصيب وما يحمله للبنان واللبنانيين من نكبة عارمة.
ولأنّ بعض السياسة يُفقد الكلمات معانيها، كانت سياسة الحقيقة في المؤتمر الوطني في معراب أرقامًا لا تقبل التأويل ولا الإلتفاف ولا التذاكي: 1559 – 1680 – 1701 والتي حاصل مجموعها الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني ليس إلا.
حول الطاولة الملتئمة في معراب والمتشحة بالبياض الناصع كالحقيقة الصرفة، كلُّ ألوان الطيف في المجتمع اللبناني الغنيّ بتنوعه الجغرافي والطائفي على الرغم من اختلاف الظروف. من المروحة التمثيلية الوازنة للأحزاب والمجموعات السيادية المسيحية،إلى الوجوه السنية والدرزية التي لم تهادن مشروع الدويلة تحت أيّ ذريعة، إلى الوجوه الشيعية... التي شعرت في معراب بمكانتها الأكيدة وبدورها العتيد بعدما حال فائض القوة غير الشرعية لدى الثنائي الشيعي وممارساته إلى دفع أكثر من نصف اللبنانيين الشيعة لعدم التجرؤ على التصويت وضمان الوصول إلى أقلام الإقتراع بلا ترهيب أو ترغيب، مع ما نتج عن ذلك من اختزال للطائفة الشيعية على مدى عقود وسلخها عن الهوية الوطنية اللبنانية وإلحاقها بولاءات وانتماءات عابرة للحدود السياسية للوطن اللبناني واحتكار النطق بالقضايا الوطنية الكبرى كالمقاومة والاستئثار بقرار الحرب.
بعد المداولات المعمّقة والصريحة والانتقال إلى صياغة البيان، جاءت المقررات لتعكس مرة أخرى سياسة الحقيقة بكلّ مقتضياتها. وقف إطلاق النار أولاً أم انتخاب الرئيس أولاً؟ لو حصل وقف إطلاق النار البارحة قبل اليوم، أو من شهر أو أكثر بل لو لم تُفتح الجبهة أصلاً لما كنا اليوم بصدد المطالبة بوقف إطلاق النار. انتخاب الرئيس مدخل حتمي للإنتظام السياسي؛ ولكن رئيس بأيّة مواصفات؟ رئيس لإدارة الأزمة مع عدم فعل أي شيء لتفادي تكرار المأساة؟ أم رئيس لمرحلة جديدة واجبة تقتضي العودة إلى مشروع الدولة؟ كانت مقررات المؤتمر الوطني في معراب حاسمة وجريئة لجهة تبنّي مقتضيات سياسة الحقيقة. العودة إلى الدستور بلا أي التفاف والمظلة الدولية المتمثلة بالقرارات الأممية الثلاثة التي تجسّد وحدة متكاملة ومتجانسة وغير قابلة للإجتزاء. وهذه القرارات تقرّ للدولة اللبنانية بسيادتها غير المنتقصة حيث يضمن القرار 1701 تطبيق وقف إطلاق النار واتخاذ التدابير اللازمة لعدم خرقه، ويضمن القرار 1680 تثبيت النقاط الحدودية بما يسمح باستعادة الشرعية والسيادة على كامل تراب الوطن ويضمن القرار 1559 حصر أدوار الدفاع والأمن بالجيش اللبناني دون غيره وقرار الحرب والسلم وإمرة السلاح ووجهته للدولة.
هذه المقررات للمؤتمر الوطني في معراب خطوة ثابتة ومباركة على مسار الإنقاذ والدفاع عن لبنان واسترجاع الدولة... وما سوى ذلك من بعض المواقف المنتقدة وما خفي منها وما بان إلى العلنعفوًا أو قصدًا... لا يندرج في موقع التمايز بالسياسة أو بالتكتيك بل بمواجهة "سياسة الحقيقة"