من سخرية واقعنا الأليم أن مبنى متصدع، يتآكل جدرانه النش، وتجتاح ارضه وأروقته الأوساخ، وتحكمه الظلمة وانعدام ابسط الخدمات، حيث لا مكننة ولا استعلامات ولا مصعد او تكييف، ولا حتى مراحيض، وهذا الركام يسمى "قصر العدل".
انها محكمة بعبدا بثقلها ورمزيتها، عاصمة جبل لبنان، المحافظة التي يتمركز فيها أكثر من نصف سكان لبنان واقتصاده، ويوازي عدد الدعاوى والشكاوى المسجلة لديها مجموع عدد النزاعات في مختلف محاكم لبنان.
محكمة، تحيط بها غالبية ادارات ودوائر المحافظة، يكابد المرء المشقّة البالغة للوصول اليها عبر زواريب وأزقّة ضيّقة، مخصصة أصلاً لعربات الخيل.
مبناها الرثّ يفتقر لمكاتب تستوعب القضاة والكتبة العاملين ضمنه، ويضيق بوجه المحامين وأصحاب العلاقة، ولا أمكنة صالحة فيه لحفظ سيّل الملفات الواردة والمعرّضة للتلف والفقدان قبل أن تحظى بمعجزة البت بها.
قاعات المحاكمة فيها قليلة، ضيّقة، يعتريها الاهتراء والصدأ، وتصطف عندها طوابير الموقوفين والمتقاضين الباحثين عن سراب عدالة متوارية في ثنايا الانتظار والتأجيل المميت والمذلّ.
بالمحصّلة، ليس الفساد مجرد إكرامية لموظف، بل أخطره هو اهدار الحكومات السابقة لعشرات المليارات من الدولارات على مشاريع عقيمة على مرأى من عدالة مُهملة تقبع، بسجلاتها العثمانية، أسيرة الفوضى والعفن في أدراجٍ متهاوية لتتهاوى معها حقوق الناس ومصالحهم وتأخذ بدربها كرامتهم وجنى أعمارهم.
فمن يحرر العدل من تخشيبة بعبدا ويقيمه في قصرٍ يليق بالحق والقانون وبشعبٍ من المفترض أنه مصدر السلطات وبإسمه تصدر الأحكام؟
المحامي فؤاد الأسمر | أخبار البلد
