قيل: الله خلق السبت من أجل الإنسان ولم يخلق الإنسان من أجل السبت... وهذا كافٍ طبعًا لاختصار كل القوانين والقرارات والبروتوكولات. البروتوكولات التي تُستخدم للكيد السياسي لا للترحيب الأعلى تنظيمًا بالضيف الأرفع شأنًا. فعلت تلك السلوكيات فعلها فغُيِّب سمير جعجع عن استقبال قداسة البابا لاوون الرابع عشر في القصر الجمهوري، حتى كاد خبر الغياب يطغى على حدث الإستقبال نفسه، وما للمشكِّكين إلا مراجعة الردود والتعليقات، لتقييم وتحديد نقطة اجتذاب الخبر بين القصر والتقصير. فمَن قرّر الربح من عدم حضور جعجع كان أكبر الخاسرين. وللبنانيين في الإنتخابات النيابية المقبلة ألف مقام ومقال.
عند خروجه من المعتقل قال الدكتور سمير جعجع في كلمته في المطار العبارة الشهيرة: "عندما خرجتم من السجن الكبير أخرجتموني معكم، بالفعل ذاته، من السجن الصغير". لكن الوقائع تشي بغير ذلك، ويبدو أن البلد بأسره وخصوصًا الدكتور جعجع، وإن كانا خارج السجن، إلا أنهما ما زالا أسيرَي تلك الدائرة المقفلة من القضاء إلى القدر إلى عباءة البروتوكول التي يتم تحتها تمرير الرسائل والمسائل المتكرّرة عبر العهود... وصولاً إلى التهديد عبر مذكرات الجلب والأمن الشخصي.
نُخرِجُك من دائرة الضوء اقتصاصًا، لتبقى قصاصًا في دائرة الإستهداف. نعم هي الدائرة نفسها تدور ولا تتغيّر. وهي الدائرة نفسها التي ما زالت تأسر اللبنانيين داخل إطارها المغمّس في نتانة الزمن البائد. لكن القصر هو بالنظر، والخطأ هو بالحسابات، والدائرة نفسها تتدحرج من العام 1988 إلى العام 1994، إلى الإستبعاد المتكرر وبمناسبات متلاحقة ومعها حروب الإنتقام وحملات التجنّي... وجميعها ما أفقدت رئيس القوات زخمًا ترجمته الإنتخابات اجتياحًا للرأي العام في كل القطاعات.
نعم كان على سبت الناموس (أحد القصر) أن يكون من أجل الإنسان لصحّة القصد والقصر وبناء الدولة، لا أن يكون الإنسان المتجسّد في مسؤولين ومستشارين في خدمة السبت، متحججين بناموسه. هذا إن صدّقنا أن البروتوكول هو السبب... إن شئتم تطبيق البروتوكول، طبقوه على لباس من يُفترَض أن يكونوا المثال في ذلك لا خارجين عليه. طبقوه في رفع الزيارة إلى مستوى وطني لا التعاطي معها وكأنها زيارة عائلية لصديق، في ما هي زيارة وطنية لأرفع مرجعية كاثوليكية وروحية ومعنوية في العالم. وإن شئتم التطبيق، طبقوا الدستور وخطاب القسم والبيان الوزاري وقانون الإثراء غير المشروع وإتفاق الطائف والقرارات الدولية. وبعد، فلا عليكم إن عدّلتم في البروتوكول لضرورات التمثيل الصحيح. وها قد دُعي سمير جعجع يوم زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر وحضر مراسم الإحتفال باستقباله، فما الذي جرى اليوم غير الكيد السياسي والنكد الشخصي؟
جاء البابا بدعاء: طوبى لفاعلي السلام. وهو يعلم أن السلام يبدأ من القلوب وفي النفوس، وإن لم يحصل هناك لا يحصل على مستوى الوطن، إذ لا سلام في وطنٍ لا سلام في قلوب أبنائه ومسؤوليه. غيّبتم جعجع عن المشهد فصار هو المشهد وأنتم الشاهدون على الزلّات والإنزلاقات التي بدأت تقذف بالعهد إلى منحنيات الأفول قبل انطلاقه. وتنحو بالوطن إلى التقوقع في عمق الهاوية، بعدما كان شُبِّهَ له بصيص أملٍ ما كاد يومض حتى اختفى.
سيّدي، بين القيد البروتوكولي والكيد السياسي قيد أنملة. والبلد ما عاد على كف عفريت لأن العفاريت رموه إلى جهنّم، وراحت أياديهم تعبث بما تبقّى من قِيَم وشِيَم وأساسات، كانت سلمت من تدمير السالفين. في حضرة زيارة الحبر الأعظم ووسط تفكك البلد وانهيار المؤسسات واضمحلال الإرادة الوطنية، كان الأجدى التصرّف بما يقتضيه الوضع من حرص على البلد قبل أن يكون على الأشخاص. كان الأجدى الترفّع عن الصغائر وعن التملّق لجهات لولاها لما وصل البلد إلى هذا الدرك البالغ الإنحدار.
أما سمير جعجع، فيعرف مكانه ومكانته، والأمكنة تعرفه وتعرفه الرّعيّة. فعسى أن تكون بعض الأخطاء هفوات، وأن يتّسع المستقبل لتجنّبها... وطوبى لفاعلي السلام!
كلام البلد
سيمون سمعان | رئيس التحرير
