صحافة

من جديد أدوية مزورة وفاسدة في لبنان ... تورم ودوار مع تعب شديد



عاد ملف الأدوية المزورة إلى الواجهة من جديد، بالرغم من محاولات الحكومة، العمل على وقف قنوات التهريب البرية والبحرية والجوية. ولطالما شكلت ظاهرة الأدوية المغشوشة في لبنان واحدة من أخطر مظاهر الانهيار الصحي، الذي أفرزته الأزمة الاقتصادية منذ العام 2019. وتحول الدواء المزور والمغشوش سلعة تدر عائدات مالية لافتة، نتيجة غياب الرقابة من جهة، وسرقة الأدوية وبيعها في السوق السوداء من جهة أخرى.

وعلى الرغم من أن القيمين على مراقبة صحة المواطن ملزمون بمنع تدفق الأدوية المزورة، إلا أن ذلك، لا ينفي أن هناك قنوات تسمح بتسرب الأدوية المزورة والمنتهية الصلاحية، وتهدد حياة المواطنين.

لم تكن السيدة "مريم. ر" على علم بأن تناول حبوب ترقق العظام، سيدخلها المستشفى في حالة طارئة، بعد أن أصيبت بتورم في كافة أجزاء جسدها، وحالات إغماء غير مبررة. تبلغ مريم 85 عاماً، وقد اعتادت تناول أدوية ترقق العظام منذ سنوات، إلا أن ما حصل لها بعد شراء الدواء من إحدى صيدليات العاصمة بيروت، جعلها في حالة يرثى لها.

تروي المريضة لـِ "المدن": أنها بعد تناول الحبة الأولى، أصيبت بدوار وتعب شديد، ولم تتمكن من النهوض من الفراش، واعتبرت أن هذه الأعراض ناتجة عن أمراض الشيخوخة. وتضيف "أصبت بتورم في وجهي وقدامي، ثم بحالات إغماء، فنقلت على إثرها إلى المستشفى".

ووفق تشخيص المستشفى، فقد تعرضت مريم إلى تسمم حاد، نتيجة تفاعل مواد كيميائية منتهية الصلاحية، وتمكنت المستشفى من معالجتها بالأدوية المضادة.

حالة مريم، لم تكن الأولى من نوعها خلال الفترة الماضية، وهو ما أكده أحد الصيادلة في منطقة بيروت، والذي فضل عدم الكشف عن هويته. يقول "في الفترة الماضية، تلقيت حالات تسمم عديدة، تحديداً بعد تناول مكملات غذائية وفيتامينات، مصنفة على أنها مستوردة من الولايات المتحدة". ويوضح أن العوارض تبدأ بعد تناول جرعتين، إلى ثلاثة جرعات، بحيث يشعر الِإنسان بتعب شديد، وضعف في جسده. وقد يتطور الأمر، خاصة لدى كبار السن، إلى أورام، وصداع شديد".

ويرجح بعض الصيادلة والمتخصصين بالشأن الدوائي، أن تكون إعادة انتشار الأدوية المزورة والمهربة في لبنان مرتبطة بقيام بعض التجار، الذي تحكموا بالسوق في السنوات الماضية بالتخلص من مخزون الأدوية لديهم، ويعتقدون أن الأدوية التي تم تخزينها خلال الفترة الأولى من الأزمة الاقتصادية، ومع تذبذب أسعار العملة، ومحاولة التجار إخفاءها للحصول على عائدات أكبر، باتت شبه مكدسة لديهم بعد استقرار سعر العملة. ولذا، بدأوا بتوزيعها بطرق مختلفة على الصيدليات وبعض المتاجر المتخصّصة ببيع المكملات الغذائية والمقويات والمنشطات. 

بين نقابة الصيادلة والوزارة

يشير نقيب الصيادلة جو سلوم الى أن ظاهرة انتشار الأدوية المزورة أو المغشوشة تُظهر غياب الرقابة الفعلية، وتحكم بعض الفاسدين والمافيات بحياة اللبنانيين. ويشرح سلوم أن مراقبة الأدوية في لبنان تعد من صلاحية وزارة الصحة، وبالتالي فإن الوزارة مسؤولة عن مراقبة دخول أو خروج أي دواء.

ويضيف سلّوم أنه "بسبب تقاعس بعض المسؤولين عن القيام بواجباتهم، حاولت نقابة الصيادلة القيام بهذا الدور، ومكافحة الأدوية المزورة، من خلال حملات عديده منها حملات إعلانية أبرزها (مش كل دواء دواء)، لكن النقابة لا يمكنها القيام بأدوار أوسع من ذلك، إذ أن آليات استيراد وتصدير الأدوية ومراقبها والموافقة عليها، هي من صلب عمل وزارة الصحة.

كيف نميز الدواء المزور؟

أصبحت الأسواق اللبنانية مشرعة أمام الأدوية المزورة، خاصة بعد الانفلات الأمني والسياسي خلال السنوات الماضية، إذ امتلأت الأسواق بأدوية بديلة. وقد دفع انهيار أسعار العملة وتسعير الدواء بالدولار الأميركي، بالكثير من العائلات الفقيرة، إلى اللجوء للأدوية البديلة، كما انتشرت أيضاً ظاهرة شراء الأدوية من تركيا ومصر وسوريا، بسبب ارتفاع أسعارها في لبنان. فكيف يمكن لنا التعرف حقيقة على الأدوية المزورة؟ وفق الخبراء في مجال الرعاية الصحية، يمكن للمواطن العادي التأكد من مدى مطابقة الأدوية للمواصفات المعمول بها، وذلك عبر:

أولاً: تفحص التغليف بعناية، والتأكد من وجود التواريخ على الأدوية بعناية، ووجود أختام من وزارة الصحة اللبنانية.

ثانياً: التأكد من أن الأدوية المستوردة من الخارج، وتحديداً من الولايات المتحدة وأوروبا، تحمل أختام المؤسسات الموكلة بمراقبة تصدير الأدوية، وموافقة الدوائر الطبية في تلك الدول.

ثالثاً: التحقق من رقم تسلسل الدواء أو كما يطلق عليه اسم Batch number، وإذا كان مفقوداً أو غير واضح، يستحسن بعدم شراء الدواء.

رابعاً: مقارنة شكل علبة الدواء، اللون، والطعم، إذ أن أي اختلاف في هذه العناصر الأساسية، تكون علامة تحذيرية.

يكشف هذا الواقع عن حجم الخطر الذي تفرضه الأدوية المزورة في ظل غياب الرقابة الفاعلة. ويضع استمرار تفلت السوق الدوائية صحة المواطن على حافة كارثة دائمة تستدعي تحركاً رسمياً. ويبقى تعزيز الرقابة والمحاسبة الصارمة السبيل الوحيد لحماية اللبنانيين واستعادة الثقة في القطاع الصحي.

بلقيس عبد الرضا - المدن