العيون مسلطة على الحزب، بحيث بات كل تفصيل في حركته مرآة لصراع أكبر من حجمه الطبيعي. أي تعديل داخلي، أي تغيير إداري، حتى لو كان في مكتب إعلامي أو في فريق تقني، يتحوّل بسرعة إلى حدث سياسي تتلقّفه المنصّات ووسائل الإعلام كأنّه إشارة إلى خلل أو دليل على تبدّل. هذا التضخيم لا يعبّر عن حالة فراغ سياسي داخلي بقدر ما يُعبّر عن هدف لدى خصوم الحزب يريدون تحقيقه وهو استمرار التصويب عليه بغية إظهاره ضعيفاً، منكسراً، غير قادر على تنظيم حدث، او الاعتراض على قرار.
أن يتصدّر نشاط بسيط مثل إضاءة صخرة الروشة المشهد، وأن يُناقش وكأنه قضية وطنية، فهذا لا يُظهر فقط حجم البغض والكره بين اللبنانيين، ولا حتى "الصبيانيات" بإدارة الامور، بل يكشف أن هناك من قرر أن يلحق الحزب على أبسط التفاصيل لمحاولة كسره، فعندما تحرك الحزب بسبب منع الطيران الإيراني من الهبوط في لبنان أصروا على المشروع وواجهوا المتظاهرين، واليوم تكرر المشهد ولكن بمسألة إضاءة صخرة الروشة.
في بلد مثقل بالأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، يصبح من المفارقات أن يجري تهميش الأسئلة الجوهرية لصالح سجالات حول حدث احتفالي أو خطوة تنظيمية داخل حزب، لكنها مفارقات تكشف أيضاً عن طبيعة المرحلة، وهي مرحلة التصويب والتركيز على الحزب لاستكمال ضربه في كل الميادين.
المشكلة هنا أنّ حزب الله نفسه لا يستطيع أن يتعامل مع هذه التفاصيل بخفّة. فكل كلمة محسوبة، وكل تصريح محسوب، وكل خطوة محسوبة. لم يعد في مقدوره أن يسمح لخصومه بجرّه إلى ميدان معارك جانبية تُقدَّم على أنها صراعات حياة أو موت، مثل مشروع اضاءة صخرة الروشة، وإظهار نفسه منهزماً بحال لم يتمكن من تحقيق النتيجة، لأنك عندما تضخم المسألة إلى حد "كسر العظم" ينبغي ان تتوقع انعكاسا سلبيا جدا على البيئة بحال لم تسر الامور كما هو مخطط لها.
التحدي إذاً مزدوج. من جهة، لا يمكن للحزب أن ينعزل أو يتجاهل موجة التفسير والتضخيم، لأنه جزء من المعركة الإعلامية والسياسية. ومن جهة ثانية، لا يمكنه أن يسقط في الفخ، فيتصرّف وكأنّ كل ملف هو معركة فاصلة لا مجال فيها للمرونة أو الحسابات الباردة. بين هذا وذاك، يتحدّد مستقبله السياسي.
نحن أمام استحقاق انتخابي ثقيل، واستحقاق عسكري ربما مع العدو الإسرائيلي أكبر وأثقل، هنا تكمن المسؤولية في إدارة صورته بنفس القدر الذي يدير فيه خياراته الاستراتيجية، انطلاقا من كون المعركة الداخلية لا تنفصل عن كل المعارك الخارجية، وهي معركة الرمزية حول الحضور والدور والشرعية، وفي الرمزية منها، أي حركة عابرة يمكن أن تُستثمر كسلاح، لذلك فالمطلوب العقل البارد ليتعامل مع كل خطوة باعتبارها كجزء من مشهد كبير واحد، وبالتالي على جمهور الحزب أيضاً ألا يقع في هذا الفخ، بمعنى ألا يكون مشاركاً بتضخيم كل حركة وحدث بحيث تتفرع عنه روايات وقصص وتفاصيل.
في السياسة كما في الحرب، الذكاء في القدرة على اختيار المعركة التي تستحق القتال، والنضال والمواجهة، فهدف خصومه تحويله من لاعب على مستوى المنطقة الى لاعب على مستوى حي في مدينة، وهم يستغلون العواطف لتحقيق ذلك، وجزء من البيئة يقع في هذا الفخ.
محمد علوش - النشرة
