موقف البلد

كلمة البلد - صرخة من بيروت... للبنان والحزب والموفد الإيراني!



اليوم يحط في واحدة من تلك العواصم الأربعة الساقطة أخيراً من جُنوح الإستراتيجيا وجُموحها، ذاك المفوّض غيرُ السامي لا في المهام ولا في المقام، مندوب الدولة التي ما عرفت حدودَها ولا أدركت أن للتاريخ مسارًا لا يغيّره التهديد ولا تبدّله الصواريخ. يصل ممثل المرشد الأعلى الإيراني أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني إلى بيروت تحت عناوين منمّقة في الظاهر، تدّعي بحث قضايا بين بلدين، فيما الصحيح أنه آتٍ باسم بلدٍ متطفّل لتعطيل قرارات البلد الآخر والمساس بسيادته، خدمة لمنظّمة خارجة على القانون هي مجرّد خنجر نَحرٍ في الداخل وورقة ابتزازٍ للخارج.
ولأن البلد ما عاد يحتمل، ولا مبرّر أصلاً لتحميله أكثر، ما لا طاقة ولا حاجة له لاحتماله. ولأن البلد انتعش بقرارات أعادت إليه طعم السيادة وزهوة القيادة، فإن كلام البلد كلِّه اليوم عالي الصوت شديد النبرة صلب التوجيه، في دُعاء صادق ودعوة صارخة إلى كل الأطراف المعنيين بهذه الزيارة.
فإلى الرئيس جوزيف عون: تعْلَم بصدق بأنَّ اللبنانيين يتطلعون إليك كقائد للسفينة يريد إنقاذها وإيصالها إلى الميناء لا أن يكون آخر من يموت غرقًا بين حطامها. تعْلَم بأن الفرصة السانحة اليوم لن تتكرر، وإن تكررت يومًا فإن الأوان يكون قد فات، فلا تدَعْها تَعبُر من غير بصمة في التاريخ وللتاريخ. قل للزائر إنّ زمن التقرير من الخارج قد ولّى وزمن التباهي بالسيطرة على عواصم حرّة بدّدته المتغيّرات فصار من الماضي، والحياة لا تقيم في منازل الأمس.
وإلى الرئيس بري: أحسنتَ في أنّك وجّهت الرسائل قبل أن تتلقى سواها، فأعلنت ألا استقالة للوزراء الشيعة من الحكومة. وقد اعتبر مراقبون هذا الموقف متقدّمًا فيما يحاول الزائر الإيراني الضغط في اتجاه الإستقالة لدفع الحكومة إلى التراجع عن قراراتها أو أقله إعاقة التنفيذ. يا دولة الرئيس ما يجري واضح المرامي والنهايات فلا داعي لتحميل البد مزيدًا من الخسائر والكبائر.
وإلى الرئيس نواف سلام: جئتَ بأملٍ وطني وبيان وزاري ما تركا مجالاً لغير قول الحق وفعل الواجب، في لحظة وطنية مصيرية تاريخية. وليس لنا كلبنانيين أن نستسلم لمن يرفض قرارات الحكومة ليفرض قرارات الشارع. للبنان رصيد في العالم نريده أن يبقى وأمل في النهوض نريده أن يتحوّل إلى واقع.
أمّا إلى الزائر المتطفّل فنقول: لا تستطيع أن تدعم فئة وتكسب الجميع، ولن تنفع الزيارات في محوِ القرارات. لبنان قرّر النهوض والدولة عادت، ولن تجد ثغرة للدخول وتقويض البناء على أمل استمرار الفوضى واستغلال الساحة. عُدْ من حيث أتيت وخذ معك إن شئت أو شاء، كلَّ من لا يريد الإلتزام بالدستور والخضوع للدولة ولقراراتها. ومن عاش في أوهام البطولة ومات في حقيقة الإنكشاف والتشتّت والوهن القاتل. ما جابت منظمتك على لبنان إلا الويلات وما جنت إلّا النكسات لها ولكم وللبنان. حوّلو هذا الجهد إلى طاقة تساهم في تحقيق سلام الشعوب ورفاهها بعيدًا عن إيديولوجيا الموت الكاذب في سبيل قضايا واهية.
وسط كل ذلك، ماذا عن "حزبالله" ذاك المُنتظِر على قوارع الطرقات، من طريق القدس إلى طريق المطار باحثًا عن انتصار، مبالِغًا في الترحيب بالموفد الإيراني، مستجديًا منه تغليبًأ له على شركائه في الوطن بل على الدولة فيكسرها ليعيد عقارب الساعة إلى الوراء بعدما أعاد البلد برمّته اقتصادًا وثقافة وأسلوب حياة؟
إن جوهر ما يقوم به "حزبالله" هو تعمُّد تمايزه عن كل اللبنانيين، وهذا بحد ذاته مخالف للدستور قبل أن تكرَّ سائر المخالفات التي لا تُعد ولا تُحصى ولا تُبلع. فالدستور اللبناني ينص على أن "كل اللبنانيين سواء لدى القانون، وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم". ومع ذلك يُصر على سلاح خارج القانون ودولة خارج الدولة وحَمْلٍ سِفاحيٍّ خارج الرَّحم. علمًا بأن كل مبررات بقاء سلاحه والاحتفاظ به سقطت، فلا تُكبِّدوا البلد خسائر أكثر مما كبَّدتموه. ولا تكونوا حجر عثرة في طريقها ولا عصى في عجلاتها. وإذا وجدتم الثمن كبيرًا فاعلموا أن بناء الأوطان ما كان يومًا بخسًا، ولا قامت أمم من غير تضحيات!

سيمون سمعان | رئيس التحرير