محليات

المطران عودة: توقف الحرب في غزة هدنة للشرّ نرجو أن تدوم



ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده، خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس.

بعد قراءة الإنجيل المقدس، ألقى عوده عظة قال فيها: "في الـبِـدايَـةِ لا بُـدَّ أنْ نَـشْـكُـرَ اللهَ لأنَّ الـحَـرْبَ تَـوقَّـفَـتْ في غَـزّة، والـشَـرُّ دَخَـلَ في إجازَةٍ نُـصَلّي أنْ تَـكـونَ أبَـدِيَّـةً لِكَي يَـنْـعَـمَ سُـكانُ غَـزة، ولبنان، والعـالَم، بِـالسَلامِ والأمانِ والـكَـرامَـةِ التي مَـنَـحَـها اللهُ لِـلإنسانِ عِـنـدَما خَـلَـقَـهُ".

أضاف: "إِذْ نُعَــيِّـدُ الـيَـوْمَ لآباءِ الـمَجْـمَعِ الـمَـسْـكُـونِيّ السَّابِع، تُـذَكِّـرُنا الـكَـنِـيسَةُ بِنورِ الإِيمانِ المُـسْـتَـقـيمِ الَّـذي أَشْرَقَ عـلى المَـسْـكُـونَةِ مِنْ خِلالِ أَتْعـابِ هَـؤُلاءِ الآباءِ الـقِـدِّيسينَ الَّـذينَ حَـفِـظـوا الـوَدِيعَـةَ الَّـتي اسْـتَـوْدَعَـهُـمْ إِيّاها الـرَّبّ، وحَـمَـوا الإِيـمانَ مِنْ تَـشْوِيهِ الهَـراطِـقَـةِ الَّـذينَ أَرادوا إِطْـفاءَ نورِ الحَـقِـيـقَة. قالَ الـرَّبُّ في إِنْجيلِ الـيَوْم: «أَنْـتُـمْ نُورُ العـالَـمِ، لا يُـمْـكِـنُ أَنْ تُخْـفَى مَـدِينَةٌ مَـوْضُوعَـةٌ عـلى جَـبَـلٍ». هَـكَـذا كانَ الآباءُ مَدِينَةً مُـضِـيـئَةً لا تُخْـفَى، لأَنَّهُـمْ أَقـاموا إِيـمانَ الكَـنِـيـسَةِ على جَـبَـلِ الـتَّجَـسُّـدِ الإِلهِـيِّ، ورَفَـعــوا رايَةَ الحَـقِّ في وَجْهِ الـظُّـلْـمَـةِ ومُـرَوِّجـي الهَـرْطَـقـات".

وتابع: "الـمَـجْـمَعُ الـمَـسْـكُـونِيُّ الـسَّابِعُ الَّـذي عُـقِـدَ في مَدينَةِ نيقيةَ سَنَةَ 787، عـلى عَـهْـدِ الـمَـلِـكَـةِ الـتَّـقِــيَّـةِ إيريني، أعْـلَـنَ انْـتِـصارَ الحَـقِّ عـلى بِـدْعَـةِ مُحارِبي الأَيْـقـوناتِ، الَّـذينَ أَرادوا طَـمْـسَ حُـضورِ الجَـمالِ الإِلَـهِيِّ في حَـياةِ الـكَـنِـيـسَة. لَمْ يَـكُـنِ الأَمْـرُ مُـجَـرَّدَ جَـدَلٍ حَـوْلَ صُـوَرٍ ورُسُـومٍ، بَلْ كانَ مَـسْـأَلَـةً تَـتَـعَـلَّـقُ بِـجَـوْهَـرِ الـتَّجَـسُّـدِ الإِلَهِيِّ، لأَنَّ الَّـذي صارَ إِنْسانًا مِنْ أَجْـلِ خَلاصِنا، يُـمْـكِـنُ أَنْ يُـصَـوَّرَ في هَـيْـئَـةِ إِنْسانٍ. لِذَلِـكَ قـالَ الآباءُ في قَـراراتِهِم: «إِنَّ كَـرامَةَ الـصُّـورَةِ تَعـودُ إلى الأَصْل». فَـمَـنْ يَـسْـجُـدُ أَمامَ أَيْـقُـونَةِ المَسيحِ، لا يَـسْـجُــدُ لِـلخَـشَـبِ والأَلْـوانِ، بَلْ لِـمَـنْ تُـمَـثِّــلُـهُ الأَيْـقُـونَةُ، أَيْ لِـلـرَّبِّ نَـفْـسِهِ الَّـذي تَجَسَّـدَ وصارَ مَـنْـظُـورًا. أَعْـلَـنَ الآباءُ، في وَجْهِ مُحارِبي الأَيْـقـوناتِ، أَنَّ رَفْـضَ الأَيـقـونَةِ هُـوَ رَفْـضٌ لِـلـتَّـجَـسُّـدِ، وأَنَّ مَنْ يُـنْـكِـرُ إِمْـكـانِـيَّـةَ تَـصْويرِ المَسِيحِ، إِنَّـما يُـنْـكِـرُ أَنَّهُ صارَ إِنْسانًا حَـقًّـا. لِذا، لَمْ يَـكُـنِ الـدِّفاعُ عَـنِ الأَيْـقـونَةِ دِفاعًـا عَـنْ فَـنٍّ بَـشَـرِيٍّ، بَلْ عَـنْ سِـرٍّ إِلَهِيّ، وعَـنِ الإِيـمانِ بِأَنَّ الـكَـلِـمَةَ صارَ جَـسَـدًا وحَـلَّ بَـيْـنَـنـا، وصارَ وَجْهُهُ يُـرَى ومَلامِحُهُ تُـرْسَـمُ، لِكَيْ نَـسْـتَـطِـيعَ أَنْ نَـرى اللهَ في وَجْهِ إِنْسانٍ هُـوَ يَسوعُ المسيحُ الإِلَهُ الـمُـتَـجَـسِّد".

وأردف عوده: "سَـمِـعْـنـا فـي رسـالـةِ الـيـوم قَـوْلَ الـرَّسولِ بولُسَ لِـتِـلْـمِـيـذِهِ تِـيطُس: «صادِقَـةٌ هِيَ الـكَـلِمَةُ، وإيـاهـا أُرِيدُ أَنْ تُـقَـرِّرَ حـتّـى يَـهْـتَـمَّ الَّـذينَ آمَـنـوا بِاللهِ فـي الـقِـيـامِ بـالأعـمـالِ الـحَسَنَة». هـذا الـتَعْــلـيـمُ يَـتَـطابَـقُ مَـعَ روحِ ما فَـعَـلَهُ آباءُ الـمَـجْـمَـعِ الـسَّابِع. فَالإِيـمانُ الَّـذي حَـفِـظُـوهُ لَـيْـسَ فِـكْـرَةً جامِـدَةً، بَـلْ حَـياةٌ مُـتَجَـسِّـدَة. وكَما أَنَّ الـتَّجَـسُّـدَ هُوَ اتِّحادُ الـكَـلِـمَـةِ الإِلَهِيِّ بِالجَـسَدِ الـبَـشَـرِيِّ، كَذَلِكَ الإِيمانُ الحَـقِـيـقِـيُّ هُـوَ اتِّحادُ الكَـلِـمَـةِ بِالعَـمَـلِ، والحَـقِّ بِالمَحَـبَّـة. لِـذَلِكَ قالَ الـرَّسولُ أَيْـضًا: «لِـيَـتَـعَـلَّـمْ ذَوونـا أَنْ يَـقـومـوا بـالأَعْـمالِ الـصالِحَةِ لِلحاجاتِ الضَّرُورِيَّةِ، حَـتَّى لا يَـكـونوا غـيـرَ مُـثْـمِـريـن».

وأشار الى ان "الإِيمانَ الـمُـسْـتَـقِـيـمَ الَّذي دافَعَ عَـنْهُ الآباءُ يُـثْـمِـرُ، لا في مُجـادَلاتٍ عَــقــيـمَـةٍ «ومُـبـاحَـثـاتٍ هَــذَيـانـيـةٍ وخُـصـومـاتٍ ومُـمـاحَـكـاتٍ» كـمـا يَـقـولُ الـرسـول، بَلْ في أَعْـمالٍ حَـسَـنَةٍ تُـنـيـرُ الـعـالَم. فَـحِـيـنَـمـا يَـقُـولُ الـرَّبُّ: «لِـيُـضِئْ نُـورُكُـمْ هَـكَـذا قُـدَّامَ الـنَّـاسِ لِـكَيْ يَـرَوا أَعْـمالَـكُـمُ الصَّالِحَةَ ويُـمَجِّـدُوا أَباكُـمُ الَّذي في الـسَّـماواتِ»، فَإِنَّهُ لا يَـتَـكَـلَّـمُ عَـلى أَعْـمالٍ ظاهِـرَةٍ، بَلْ عَـلى شَـهـادَةٍ حَـيَّـةٍ لِـحُـضورِ اللهِ فِـيـنـا. الأَعْـمـالُ الـصَّـالِـحَـةُ لَـيْـسَـتْ وَسِـيلَةً لِـمَـدْحِ الإِنْسانِ، بَلْ أَداةٌ لِــيُــرى نورُ اللهِ في وَجْهِ الإِنْسان. كانَ آبـاءُ الـمَـجْـمَـعِ الـسَّابِعِ شُـهـودًا لِـلـنُّورِ، فَـلَمْ يَخافـوا سُـلْطانَ الـمُـلوكِ ولا تَـهْـدِيـدَ الـهَـراطِـقَـةِ، بَلْ جاهَـدوا حَـتَّى الـدَّمِ لِأَجْـلِ الحَـقّ. يَـقـولُ أَحَـدُ الآباءِ: «إِنَّ الَّذي يُـطْـفِـئُ الأَيْـقُـونَةَ إِنَّـما يُـطْـفِـئُ نُـورَ الإِنْجـيلِ»، لأَنَّ الأَيْـقُـونَةَ إِنْجـيلٌ مَـنْـظُـورٌ، تُـعَـبِّـرُ بِالأَلْـوانِ عَـمَّا يُـعْــلَـنُ بِالـكَـلِمَة. الكَـنِـيسَةُ، بِتَـكْـريمِها الأَيْـقُـونَةَ، تُـكَـرِّمُ حُـضورَ الـكَـلِـمَةِ في الـمادَّة، وتُـعْـلِـنُ أَنَّ الخَـلِـيـقَةَ لَـيْـسَتْ شَـرًّا، إِنَّـما أَداةٌ لِـلـتَّـقْـدِيسِ، إِذْ بِها يَـتَجَـلَّى اللهُ لِـلـعَــيان".

أضاف: "بولُسُ ذَكَّـرَ تِـيطُسَ بِأَنَّ الإِيـمانَ يُـتَـرْجَـمُ بِأَعْـمالٍ حَـسَـنَةٍ، والـمَـسِيحُ يُـعَـلِّـمُ تَلامِـيـذَهُ أَنْ يَـكُـونُـوا نُـورًا لِـلعـالَـمِ، لا يُـخْـفُـونَ مِـصـباحَـهُـمْ تَـحْـتَ الـمِـكْـيال. كِلاهُـما يَـدْعُـوانِـنـا إلى شَـهـادَةِ الإِيـمانِ الـفَـعّـالِ، لا المَـيْـت «لأنَّ الإيـمانَ بِـدونِ أعْـمالٍ مَــيِّـتٌ» (يع 2: 20 ). هَـكَـذا لَمْ يَحْـفَـظِ الآباءُ الـقِـدِّيـسونَ الإِيـمانَ بِالـكَـلِـماتِ وَحَسْـب، بَلْ قَـدَّموهُ فِـعْـلًا وحَـياة، في الـصَّلاةِ والـتَّـعْـلِـيمِ واحْـتِـمالِ الآلامِ إذ« ذاقـوا الهُـزْءَ والجَـلْـدَ والـقُـيـودَ والسِجْـنَ، ورُجِـموا، ونُـشِروا، وامتُحِـنـوا وقُـتِـلوا بِـحَـدِّ السَيْف» كما نَـقْـرأُ فـي الـرسالَـةِ إلى العـبرانيين ( 11 :36 -37 )،  وإِذْ نُـكَـرِّمُـهُـم الـيَـوْمَ، لا نَـنْـظُـرُ إِلَـيْـهِـمْ كَـمَـجْـمُـوعَـةِ لاهُـوتِـيِّـيـنَ أَوْ فَلاسِـفَـةٍ، بَلْ كَـقِـدِّيـسِـيـنَ عاشـوا الإِيمانَ واحْـتَـمَـلُـوا كـلَّ شـيءٍ لأَجْـلِه. عَـمَـلُـهُـم الصَّالِـحُ الأَعْـظَـمُ هُـوَ حِـفْـظُ الإِيمانِ الـقَـوِيـمِ مِنَ الإنْحِـرافِ، وحِـمايَةُ الـمـؤمـنـيـن مِنَ ظَـلامِ الـعَــقـائِـدِ. كانوا رُعـاةً صالِـحِـيـنَ، يَـعْـرِفُـونَ أَنَّ الإِيمانَ لَـيْسَ مُـلْـكَـهُـم، بَلْ وَدِيعَـةُ الـكَـنِـيسَةِ كُـلِّها، لِـذَلِـكَ سَلَّـمُـوهُ كَما تَـسَـلَّـمُـوهُ، بِلا نُـقْـصانٍ أَو زِيادَةٍ أَو تَـشْـويهٍ أو تَـحْـريـف".

وختم عوده: "نـورُ الآباءِ لَـمْ يَـكُـنْ خارِجِـيًّـا، بَلْ هـو نُـورُ الـمَـسِيحِ الـذي أشْـرَقَ فِـيهِـم. الـكَـنِـيسَةُ الَّـتي حَـفِـظَـتِ الأَيْـقُـونَةَ، حَـفِـظَـتْ أَيْضًا صُورَةَ اللهِ في الإِنْسانِ، لأَنَّهُ أَيْـقُـونَةٌ حَـيَّـةٌ للهِ، مَـخْـلُـوقٌ عـلى صُورَتِهِ ومِـثالِه، وهـو إنـاءٌ لـلـروحِ الـقُـدُس. لـذلـك عِـنْـدَما نَحْـيا في الـقَـداسَةِ، فـي الـتَـواضُعِ والـمَحَـبَّـةِ، نُعــيـدُ إلى هَـذِهِ الـصُّورَةِ بَهاءَها، وحِـيـنَـما نُخالِـفُ وصـايـا الـربّ، نُـشَـوِّهُ الأَيْـقُـونَةَ الَّـتي فِـينا. تَـكْـرِيمُ الأَيْـقُـوناتِ هُـوَ، في جَـوْهَــرِهِ، دَعْـوَةٌ إلى اسْـتِعـادَةِ الـصُّورَةِ الإِلَهِـيَّةِ فِـيـنا، لـنَكُونَ نَحْـنُ أَنْـفُـسُـنا أَيْـقـوناتٍ حَـيَّـةً تُـبْـرِزُ وَجْهَ الـمَـسيح. فَـلْـنَحْـذَرْ مِنْ أَنْ نَـكُـونَ كَالَّـذينَ وَصَـفَـهُـمُ الـرَّسولُ بُـولُسُ بِأَنَّهُـمْ «بِلا ثَمَرٍ»، أَيِ الَّـذينَ يَـكْـتَـفُـونَ بِالـقَـوْلِ بِلا العَـمَـلِ، أَوِ الَّـذينَ يَـظُـنُّـونَ أَنَّ الإِيـمانَ مُجَـرَّدُ مَعْـرِفَـةٍ عَــقْـلِـيَّـةٍ وكَـلامٍ رَنّـان. الإِيـمانُ الـقَـويمُ حَـياةٌ تُـعـاشُ، وصُـورَةٌ تَـتَـجَـلَّى، وكَـلِـمَةٌ تَـصِـيـرُ فِـعْـلًا ونـوراً يُـشـرِقُ ولا يَخْـفـى. فَـمَـنْ أَرادَ تَـكْـريمَ الآباءِ حَـقًّـا، عَـلَـيْهِ العَـمَـلُ بِـما عَـلَّـمُـوهُ، والإقْـتِـداءُ بـإيـمـانِـهِـمِ الـعَــمـيـق، وبِـثَـبـاتِهِـمْ وجِـهـاداتِـهـم مِـنْ أجـلِ إعـلانِ الـحَــقِّ ودَحْـضِ الـبـاطِــل.  آمين".