موقف البلد

كلمة البلد - الشيخ نعيم وأونودا والضابط حامل كلمة السر!



هل حقًّا أنّ المواقف الصادرة عن حزبالله، ولا سيما الأخيرة منها، تمثّل هذه الجماعة وطموحها ونظرتها للبلد والناس والسلاح والقانون؟ أم أنها تنفيذ لأجندة إيرانية تبغي التمسّك بالسلاح للتقدّم بالمفاوضات؟
هل موقف الأمين العام الشيخ نعيم قاسم في مدينة بعلبك بمناسبة إحياء "أربعينية الإمام الحسين"، كان رسالة تحذير أم قتالاً تراجعيًّا وانفعالاً باهتًا ما عادت له أمكنة بعدما حزمت الدولة أمرها وسارت في طريق استعادة القيادة والسيادة والريادة؟
هل يُرضي هذه الجماعة بقاؤها خارج الدولة وبقاء البلد خارج مسار الأحداث وبقاء كل اللبنانيين في دائرة انتظار انفراجٍ كلما لاح بعيدًا يقطعه انفجار؟
يا سادة، الحرب التي تريدون أو تهدّدون بخوضها انتهت، وتبدّلت الجبهات والأسلحة. وما زال الشيخ نعيم قابعًا في الأدغال يريد القتال، رافضًا القبول بالواقع الجديد. يقول الشيخ نعيم إن "المقاومة لن تسلم سلاحها وإن العدوان مستمر وسنخوض المعركة اذا لزم الأمر. ونحن واثقون من أننا سننتصر". وأكّد أن "المقاومة لن تسلم سلاحها تحت أي ظرف. وأنها مستعدة لخوض معركة كربلائية خالطًا بين الدين والسياسة وبين التاريخ والحاضر".
كل هذا يحصل بعدما باتت كل المعطيات تشي بأن مخطط قطع أذرع النظام الإيراني وتفكيكها مستمر، وترتيب شرق أوسط جديد لن يتوقف عند عقبة من هنا أو تهديد من هناك. لكن المسألة في من يُقنِع الشيخ نعيم بجدوى الواقعية السياسية بدل أن ينفخ فيه روح التمرّد على قرارات سيادية رسمية، والمضي في مواجهة مفترضة مع الجهة الغلط!
يُذكِّر موقف الشيخ نعيم بذاك الجندي الياباني هيرو أونودا الذي بقي 29 عامًا في أدغال الفليبين مستعدًا للقتال، رافضًا الإستسلام، غير مقتنع بأن الحرب العالمية الثانية انتهت باستسلام اليابان وتوقيع اتفاق إذعان مع الولايات المتحدة.
الجندي أونودا كان ضابط استخبارات ومدرّبًا لحرب العصابات في الجيش الإمبراطوري الياباني. أُرسل إلى جزيرة لوبانغ في الفليبين عام 1944 وأُمر بالبقاء في موقعه وعدم الاستسلام. وبعد انتهاء الحرب عام 1945، استمر أونودا ورفاقه في القتال معتقدين أن منشورات الإستسلام كانت مجرّد خدعة. وفي عام 1972، ظهر أونودا ورفيقه في اشتباك مسلح، حيث قُتل رفيقه وفرّ هو. وفي عام 1974 عاد إلى اليابان بعد أن أقنعه قائده السابق بأن الحرب انتهت... 
اليوم يبدو أننا في حاجة إلى من يُقنع الشيخ نعيم بأن الحرب انتهت وأن اتفاق إذعان حصل في 27 تشرين الثاني الماضي مع إسرائيل وأميركا، تمّت الموافقة عليه من قبل منظمة الشيخ نعيم وصدّقته الحكومة اللبنانية والتزمت تطبيقه. وأن بقاءه متمسكًا بسلاحه ليس إلا كبقاء أونودا معتبرًا أن إقناعه بانتهاء الحرب خدعة، وما الفرق إلا في أن سلاح الجندي الياباني لم يكن يهدد دولة الفليبين ولا إعادة نهوض اليابان من أكبر كارثة نووية. في حين أنّ سلاح الشيخ نعيم يهدد وحدة البلاد وقيام الدولة وإعادة الإعمار. 
أمَا آن الأوان لبعض الواقعية في ما يجري؟ خلال حرب الإسناد سقط لحزبالله قادة الصف الأول والثاني والثالث وآلاف الشباب، وما حماهم السلاح ولا منع إسرائيل من الدخول إلى لبنان. وبعد انتهاء الحرب يسقط شباب الـ"حزب" يوميًّا في كل مكان إلا في الحرب ضد إسرائيل. يُقتلون في مراكزهم ومنازلهم وعلى الطرقات، كل الطرقات إلا على طريق القدس. ويخرج مسؤولو الـ"حزب" ليهددوا باستعمال السلاح في الداخل لا لتحرير ما تم احتلاله بسبب السلاح. 
يعلم العارفون ويثقون بأن هذا السلاح لن يُتاح استخدامه بعد اليوم لا في الداخل ولا ضد إسرائيل، إنما التهديد به وبالحرب الأهلية يعيق بناء الدولة ويؤخر النهوض بعد الحرب كما نهضت اليابان... يبقى فقط ظهور الضابط الذي يُبلِغ الشيخ نعيم بأن الحرب انتهت، وما عليه إلا العودة من "أدغال الفليبين" اللبنانية. لكن يبدو أن هذا الضابط منهمك اليوم في ترتيب مفاوضاته مع أميركا على حسب الحزب ولبنان!

كلمة البلد

سيمون سمعان | رئيس التحرير