خاص

خاص: جوزاف أمين - الانتخابات المفخّخة.. ديموقراطية تحت النار



لا ديموقراطية في ظلّ البندقية، ولا انتخابات حقيقية حين يكون القرار مرهونًا لميليشيا تمتلك السلاح وتحتكر الرعب، إنّ أيّ حديث عن انتخابات حرّة في لبنان، فيما “حزب الله” يفرض إرادته بقوة الترهيب والسلاح، هو مجرّد كذبةٍ كبرى لتجميل مشهدٍ سياسيٍّ فاسد ومختطف. فالمبدأ الأساس لأي عملية انتخابية ديموقراطية يقوم على حرية الإرادة الشعبية وتكافؤ الفرص، لكنّ هذا المبدأ سقط منذ اللحظة التي قررت فيها الميليشيا أن تكون الدولة رهينةً لمشروعها، وأن يتحوّل المواطن إلى تابعٍ خائفٍ من بطشها. كيف يمكن للناخب أن يعبّر بحرية، فيما أصوات البنادق تسبق أصوات الصناديق؟ 

الانتخابات النيابية لعام 2022 كانت خير دليل على هذه المهزلة. فبدل أن تكون مناسبة لإحياء الديموقراطية، تحوّلت إلى استعراضٍ سافرٍ للقوة والهيمنة. تقارير “الفايننشال تايمز” وغيرها وثّقت بوضوح استخدام “حزب الله” للترهيب والمحسوبيات في الجنوب والنبطية، حيث فُرضت اللوائح على الناس كأنها أوامر عسكرية لا خيارات سياسية أما ما لم تذكره بعض التقارير الدولية فشاهده اللبنانيون بأمّ العين: تهديدٌ، ضربٌ، تخويفٌ مذهبي، شراءٌ للولاءات، واحتلالٌ فعليٌّ لمراكز الاقتراع من قبل عناصر الثنائي الشيعي. في كفرحونا – جزين، كما في بلداتٍ أخرى، تحوّل يوم الاقتراع إلى ساحة بلطجة منظّمة، حيث اعتُدي على المندوبين السياديين والمستقلين بالهراوات، في رسالةٍ واضحة من لا يصوّت لنا يُسحَق. وبعد الانتخابات، استُكملت المسرحية بتهديداتٍ علنية أطلقها مسؤولو حزب الله ضد خصومهم، وكأنّ الديمقراطية تُختتم ببيان نصر عسكري لا بنتائج صناديق. هذه الوقائع ليست حوادث معزولة، بل هي الدليل القاطع على أنّ ما يُسمّى انتخاباتٍ في لبنان هو مجرّد مسرحية قسرية تُدار تحت حراب السلاح. فكيف يمكن أن نحاسب سلطةً جاءت على ظهر الميليشيا؟ وكيف يمكن لدولةٍ أسيرةٍ أن تُنجب تمثيلاً حرًّا؟

النتيجة واضحة، طالما بقي السلاح خارج سلطة الدولة، فإنّ كلّ انتخاباتٍ تُجرى في لبنان باطلة المعنى، فاقدة للمصداقية، ولا تعبّر إلا عن توازن الرعب لا توازن الإرادة. فالديموقراطية ليست صندوق اقتراعٍ يُملأ بالخوف، بل منظومةُ حرّيةٍ تضمن أمن المواطن وكرامته، وهذان العنصران مفقودان في ظلّ هيمنة حزب الله وما يزيد الطين بلّة، أنّ هذا السلاح غير الشرعي لم يكتفِ بخطف الديموقراطية، بل عطّل مبدأ المحاسبة السياسيّة، إذ باتت الميليشيا قادرة على فرض إرادتها على الحكومة والقضاء والمجلس النيابي، تمامًا كما كسرت قرار الدولة على صخرة الروشة دون أن يرفّ لها جفن. فإذا كانت قادرة على سحق قرار حكوميٍّ بسيط، فهل يُعقل أن تسمح بنتيجة انتخابية تهدّد وجودها السياسي؟

من هنا، نؤكّد أنّ أيّ انتخابات تُجرى قبل نزع السلاح واستعادة الدولة سيادتها الكاملة، ليست سوى مهزلة وطنية ومخالفة صريحة للمعايير الديموقراطية، حتى ولو أن الانتخابات واجب وطني يبقى الواجب الأسمى هو وجود وبقاء لبنان السيد الحر المستقل. من هنا ندعو السلطة التنفيذية – إن كانت فعلًا سلطة – إلى تحمّل مسؤولياتها الوطنية والقانونية والأخلاقية في كشف الحقيقة للشعب، لا انتخابات حرة في ظلّ السلاح، ولا شرعية لمن يخضع لترهيبه. لبنان لا يحتاج إلى انتخاباتٍ مفخّخة تُكرّس الاحتلال الداخلي، بل إلى ثورة سيادية تُعيد للدولة هيبتها، وللديموقراطية معناها الحقيقي، وللشعب حقّه في الاختيار الحر، ونذكر أن الثنائي الشيعي رفض قيام الميغا سنتر لأنه ببساطة يفقده السيطرة على الناس ويحرّر الناخب من القبضة الجغرافية والحزبية التي تحكم خياره. فكيف يمكن لمن يخشى صندوقًا حرًّا أن يقبل بانتخاباتٍ منزوعة السلاح؟ لكن نقول: 

حتى مع إنشاء الميغا سنتر، تبقى شرعية الانتخابات منقوصة ما لم يرافقها نزع فعلي للسلاح، لا شعارات ورقية لتجميل واقعٍ يكرّس الهيمنة بدل الديموقراطية. وقبل أن تُدعى الهيئات الناخبة، على الدولة أن تُعلن بصراحة خطّتها لتسليم السلاح شمال وجنوب الليطاني وعلى كامل الأراضي اللبنانية، وإلى أن يحصل ذلك، فإنّ تأجيل الانتخابات واجبٌ وطنيّ، ومقاطعتها فعلُ مقاومةٍ حقيقيّ ضدّ التزوير السياسي الممنهج الذي يحوّل صناديق الاقتراع إلى صناديق رعبٍ ممهورة بتوقيع حزب الله معلنة الانتصار، تلك هي الانتخابات المفخخة ، والسلام على الديموقراطية فاستحقت القول، انها ديموقراطية تحت النار.

أخبار البلد |جوزاف أمين