من المُقرر أن تعقد اجتماعات الاسبوع المقبل لممثلين عن الحكومتين اللبنانية والسورية لمتابعة ملف السجناء السوريين في لبنان الذين تطالب دمشق بالإفراج عنهم، وهو ما تم الاتفاق عليه خلال لقاءات وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في بيروت الجمعة.
وقالت مصادر لبنانية مواكبة للقاءات الشيباني والوفد الأمني والقضائي والدبلوماسي المرافق، إن الزيارة "كانت بمثابة زيارة كسر جليد" بين البلدين، حيث تم التطرق إلى الملفات التي تهم البلدين بالعموميات، ولم يجرِ الخوض بتفاصيلها، مؤكدة أن التفاصيل "تُركت لوقت لاحق".
وأشارت المصادر في تصريحات لـ"الشرق الأوسط" إلى أن ملف السجناء السوريين في لبنان "طُرح خلال الاجتماعات"، لكنها قالت إن الجانب السوري لم يطرح أسماء محددة بعد. وأوضحت: "تم الاتفاق على عقد اجتماعات ثنائية في الأسبوع المقبل لمعالجة ملف السجناء"، مجددة الموقف اللبناني الحاسم بأنه "لا تساهل مع السجناء المتورطين
بالدم، أو بالاعتداء على الجيش اللبناني، وأن لهذه القضايا مسارها القضائي الواضح".
وقالت المصادر إن ملف ترسيم الحدود "جرى التطرق إليه، وهناك اتفاق مبدئي وقاطع على معالجته"، لكن النقاش في هذا الملف "لا يزال في بداياته ولم يجرِ الحديث عن أي تفاصيل متعلقة فيه"، حسبما قالت المصادر. وأضافت: "أهم ما في الزيارة أنها بددت الهواجس لدى الطرفين، وأعادت تصحيح العلاقات ووضعت مساراً جديداً لها عبر المؤسسات، وهناك بحث سيجري استكماله في وقت لاحق عبر اللجان المشتركة".
واستكملت الزيارة المحادثات الثنائية التي جرت بين لجان مشتركة شُكلت في وقت سابق لمتابعة ملفات أمنية وقضائية، وعقدت 3 اجتماعات في بيروت منذ شهر أيلول الماضي، ودخلت تفاصيل متعلقة بالسجناء السوريين في لبنان، وبتعاون لبناني وسوري على تقديم معلومات حول متورطين سوريين من النظام السابق في جرائم سياسية وقعت في لبنان خلال العقود الماضية.
وكتب داوود رمال في" الانباء الكويتية": بحسب مصدر وزاري لبناني معني، فان الشيباني، جاء إلى بيروت محملا برسالة واضحة قوامها "ان سورية ما بعد التحول السياسي لم تعد تنظر إلى لبنان كحديقة خلفية أو ساحة نفوذ، بل كدولة قائمة بذاتها، يجدر التعامل معها بندية واعتراف متبادل بالمصالح والحدود والقرارات الوطنية المستقلة".
وقال المصدر لـ "الأنباء" إنّ "الاجتماعات التي عقدها الشيباني في القصر الجمهوري والسرايا ووزارة الخارجية، مثلت لحظة سياسية مختلفة في تاريخ العلاقات بين البلدين، إذ ولدت فيها ملامح مقاربة جديدة تقوم على الواقعية السياسية والانفتاح المتبادل على الملفات الخلافية، من دون مقايضات أو شروط مسبقة. فالبحث في الملفات الشائكة، من الحدود البرية والبحرية إلى قضية اللاجئين والموقوفين والمفقودين، مرورا بمراجعة الاتفاقات الثنائية التي أبرمت في مراحل سابقة من الوصاية، يشير إلى نية صريحة بفتح صفحة جديدة عنوانها الشفافية والتوازن، لا التبعية ولا القطيعة".
وأكد المصدر أنّ "الأجواء التي رافقت الاجتماع كانت إيجابية على نحو فاجأ كثيرين في بيروت ودمشق، وأن الجانب السوري أبدى استعدادا حقيقيا لإعادة النظر في كل ما كان يعد من المحرمات السياسية، بما في ذلك إعادة هيكلة الأطر المؤسسية التي حكمت العلاقة بين البلدين لعقود. وأبرز ما حملته هذه المقاربة الجديدة هو طرح تعليق العمل بالمجلس الأعلى اللبناني ـ السوري، الذي كان رمزا لمرحلة سياسية مضت، وإحلال التواصل المباشر بين السفارتين كمرجعية وحيدة للعلاقة بين الدولتين، فيما يجدد الاعتراف السوري الرسمي بتحول العلاقة من "دولة إلى دويلة" نحو علاقة دولة إلى دولة".
وأوضح المصدر قائلاً: "لقد أظهر الموقف اللبناني الرسمي انفتاحا محسوبا ومتوازنا انطلاق من أولوية إعادة ترميم علاقات لبنان العربية والدولية من موقع الندية، مع التشديد على ان العلاقة مع سورية يجب أن تبنى على قواعد واضحة تحفظ سيادة البلدين وتكرس التعاون فيما يخدم الاستقرار الإقليمي، والتحول اللافت أيضا يتمثل في استعداد دمشق لإعطاء أولوية لملف الموقوفين السوريين في سجن رومية، الذي يشكل بندا إنسانيا، حيث تحقق تقدم ملموس قد تترجم نتائجه قريبا، بالتوازي مع الاتفاق على آلية لتسهيل العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين بالتنسيق مع الأمم المتحدة، ما يعكس إدراكا سورية أن الحلول الواقعية تتطلب تعاونا مباشرا مع الدولة اللبنانية لا تجاوزها".
وأشار المصدر إلى انه "في جوهر الزيارة، بدا أن دمشق الجديدة تريد أن تبدأ من حيث أخطأ النظام سابقا، اي من الاعتراف بلبنان ككيان سياسي كامل السيادة، لا كمنطقة نفوذ أو امتداد جغرافي. وهي معادلة تتيح للبنان أيضا أن يعيد بناء سياسة جوار متكافئة، خالية من الارتهانات السابقة، ومبنية على المصالح المشتركة".
