صحافة

تمسّك ماكرون بلوكورنو يُعمّق الشرخ السياسي في فرنسا



اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إعادة تعيين سيباستيان لوكورنو في منصب رئيس الوزراء، على الرغم من المعارضة الشديدة داخل معسكره السياسي المكوّن من "حزب النهضة" الذي أطلقه ماكرون و"حزب آفاق" المتحالف معه. وقد جوبه تكليف لوكورنو بتشكيل الحكومة مرّة جديدة، بعد استقالته صباح الإثنين الماضي، بموجة من الانتقادات عزّزت الانطباع بأن رئيس الجمهورية يتجاهل نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في صيف 2024، والتي حلّ فيها تحالف أحزاب اليسار تحت مسمّى "الجبهة الشعبية الجديدة"، في المرتبة الأولى متقدمًا على التحالف الرئاسي الذي حل ثانيًا، كما أنه تجاهل كل الدعوات للتغيير الجذري وللقطيعة مع النهج الماضي في إدارة شؤون الدولة.

لم يكن أمام ماكرون إلا إعادة تكليف لوكورنو لأنّه يريد رئيس حكومة يكون وفيًا له حريصًا على إرثه السياسي وبالأخص على الإصلاحات التي أطلقها منذ رئاسته الأولى في العام 2017 وفي طليعتها قانون التقاعد. لا شيء يؤكد أن الأسباب التي دفعت لوكورنو الى الاستقالة في المرّة الأولى لن تحول دون استقالته أو إقالته هذه المرة. والاستحقاق الأوّل سيكون عند تقديم مشروع الموازنة للبرلمان يوم الثلثاء على الأرجح.

فحزب "الجمهوريون" أعلن أنه لن يشارك في الحكومة وأنه سيراقب عملها من دون أن يتسبب بفوضى سياسية بمعنى أنه قد لا ينضمّ الى المطالبين بعدم منحها الثقة والذين أعلنوا منذ الأمس أنهم سيحجبونها في كل الحالات، وهم بشكل خاص حزبا اليسار واليمين الرادكاليين بزعامة جان لوك ميلونشون ومارين لوبن إضافة الى الحزب الشيوعي. أما الحزب الاشتراكي فأعلن أنه سيتعامل مع كل مشروع قانون على حدة موضحًا أن رئيس الجمهورية اكتفى بالقبول بإمكان تأجيل بدء تنفيذ قانون التقاعد الجديد، ولكنه لم يعط أي جواب واضح بما يتعلق بعدد سنوات الخدمة قبل التقاعد وبسن التقاعد. ولوّح الحزب الاشتراكي بإمكان سحب الثقة إذا لم يتجاوب رئيس الحكومة مع مطلبي الحزب بهذا الشأن.

من هنا يبدو لوكورنو، بنظر معلقين سياسيين كثر، في موقف حسّاس جدًا وهو يفتقر للدعم النيابي ولا يملك تحالفًا ثابتًا، وبالتالي فهو معرّض للسقوط بسحب الثقة في أي لحظة.

وإعادة تعيينه تعتبر مجازفة سياسية على درجة عالية من الخطورة وتقوم على الرهان بأن المعارضة لن تتوحّد لإسقاطه.

لكن من دون مبادرة سياسية تؤدي الى قيام ائتلاف حكومي يحظى بأكثرية أو من دون تسوية كبيرة، تبدو حكومة لوكورنو مهددة بالسقوط خلال أسابيع، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي الفرنسي بالكامل، وربما إلى حلّ البرلمان للمرة الثانية في سنة ونصف السنة وربما الدخول في أزمة دستورية تشل البلد.