إن التحدي اليوم لا يقتصر على إزالة صورة أو منع احتفال، بل يتجاوز إلى سؤال جوهري: هل ما زال للدولة سلطة فعلية على أملاكها العامة ورموزها الوطنية؟
فإذا عجزت السلطات عن تطبيق القوانين على صخرة الروشة، فكيف يمكنها أن تفرض سلطتها على الحدود أو على الأمن أو على مواردها الاقتصادية؟
صخرة الروشة، في هذه اللحظة، تحوّلت إلى مرآة تعكس حال الدولة اللبنانية: إمّا أن تكون سيّدة على أملاكها ورمزيتها، وإما أن تُترك رموزها مشاعًا للاستعراضات الحزبية. بين هذين الخيارين، يقف المواطن اللبناني شاهداً على معركة قانونية – سياسية تحدّد مَن هو صاحب الكلمة العليا: القانون أم فائض القوة.
ما حصل أمس في بيروت أعطى الجواب. حزب الله، بقراره إضاءة الروشة ورفع صوره عليها رغم التعميم الرسمي والتحذيرات المسبقة، وجّه رسالة واضحة مفادها أن قرارات الدولة يمكن تجاوزها متى تعارضت مع حساباته.
الحزب يتحمّل مسؤولية مباشرة عن تحويل رمز وطني جامع إلى منصة استعراض سياسي، واضعًا اللبنانيين أمام معادلة قاسية: إمّا التسليم بسيطرته على الفضاء العام، وإما الدخول في مواجهة يخشى الجميع أن تنزلق إلى فتنة.
رئيس الحكومة نواف سلام حاول أن يسبق الحدث بقرار يمنع استغلال المعالم الوطنية للأغراض الحزبية، ثم أعقب المخالفة بتعليمات لوزراء الداخلية والعدل والدفاع بملاحقة الفاعلين. لكن التنفيذ اصطدم بالمعضلة البنيوية نفسها: كيف تطبّق الدولة القانون في وجه طرف يملك فائض قوة عسكرية وسياسية، من دون أن تُفجّر استقرارًا هشًا يعيش على حافة الانهيار؟
الخطر الأكبر أن يتحول الخوف من المواجهة إلى ذريعة دائمة للتنازل، فتُترك الرموز الوطنية مستباحة وتُرسّخ قاعدة أن الفضاء العام في لبنان ليس ملكًا للدولة بل مشاعًا للأقوى. وعندها، لا يعود الأمر تفصيلًا مرتبطًا بصخرة أو معلم سياحي، بل عنوانًا لمرحلة كاملة يُحكم فيها البلد بقوة الأمر الواقع.
ما جرى في الروشة إذًا ليس تفصيلًا عابرًا. إنه اختبار صريح لمدى قدرة الدولة على أن تكون مرجعًا وحيدًا للبنانيين. وإذا لم تتحول مواقف رئيس الحكومة إلى إجراءات ملموسة، فإن الاستباحة ستتكرر، وسيتآكل معها ما تبقى من صورة الدولة. فالخيار اليوم واضح: إمّا دولة قادرة على أن تفرض القانون وتحمي رموزها، وإما دولة تُضاء معالمها بفعل القوة وتُترك حدودها وسيادتها عرضة للاستباحة.
المحامي يوسف بهاء الدويهي | أخبار البلد
